5/22/2011

جريمة قتل

جلسوا جميعاً ببهو البيت الكبير..أراقب وجوههم المنفعلة و أرى القلق فى عيونهم ..ها هو خالد يدخن بلا توقف و يدق الأرض بقدمه بعصبية والى جواره زوجته رحاب التى لا تحاول أن تهدأ من روعه .. أمامه تجلس شقيقته الكبرى ريهام تنظر الى السقف بنظرة ثابتة و لا تكف عن قضم أظافرها و خطيبها رامى يتصل بها كل نصف ساعة ..على الطرف تقف سالى أصغر الأبناء تبكى فى صمت و تدعو الله فى سرها أن يرفع الغمة..
جو عام من التوتر والقلق  يسود البيت الكبير للمرة الأولى منذ دخلته و أنا طفلة صغيرة ....
يتوقف الزمن تماماُ عند نقطة فاصلة يخرج فيها الطبيب من الغرفة و يتجه الى الأولاد الجالسين ببهو البيت الكبير ...تتعلق كل العيون بالطبيب فى لهفة لا يمكن وصفها بالكلمات بينما تجرى سالى باتجاهه بكل قوة و تسأله بعينيها فيجيب.." اطمنوا يا جماعة ..ان شاء الله خير .." ينشغل الكل بالحديث مع الطبيب و يسألوه عن صحة الحاجة  فيجيب بأن الرعاية الطبية لازمة ...تعلن سالى عن استعدادها للاقامة معها بصفة دائمة و الاستقالة من عملها ..بينما تنفعل ريهام و تصر على انها من سترعاها فى مرضها..تبدو رحاب غير معنية بالأمر و أرى فى عينيها علامات الاحباط التى لا أعرف سببها ..لا أخفيكم سراً ..أنا لا أحب رحاب..خالد يصر على الاقامة معها هو الاخر و فى النهاية يتفقوا على أن يقسموا أيام الأسبوع عليهم ..الجمعة و السبت من نصيب خالد و زوجته رحاب..الأحد و الاثنين من نصيب سالى ..الثلاثاء و الأربعاء و الخميس من نصيب ريهام لأنها لا تعمل و كل مشاغلها هو الفريق الموسيقى التى تلعب به.
لماذا استبعدونى من التقسيم....لا يهم ..المهم اننى سأظل معها فى الأيام السبعة رغماُ عن أنفهم  جميعاً ..
تمر الأيام و يستمر الوضع بلا جديد فقط تحسن طفيف فى حالة الحاجة يعقبه انتكاسة و حضور الطبيب ثم تحسن جديد و هكذا حتى جاءت الليلة الموعودة..
ذهبت كعادتى كل صباح الى غرفة الحاجة لأوقظها من نومها ففوجئت بها لا تحرك ساكناُ ..كان اليوم هو السبت فاستدعيت خالد  و زوجته و أحضرا الطبيب الذى أعلن وفاة الحاجة ...
حضر الجميع الى البيت الكبير فى اليوم ذاته سالى , رامى و ريهام و محامى الأسرة و أعلن الطبيب للجميع و أمام المحامى أن الوفاة ليست طبيعية و انما هى ناجمة عن جريمة قتل عن طريق الخنق كما تبين من الجثة ...
عشنا اياماً عصيبة جميعاً وسط تحقيقات المباحث و النيابة و رفع البصمات و غير ذلك مما ساهم من جو التوتر الذى امتلأ به البيت بعد الوفاة ..
لم تستطع النيابة تحديد مشتبه به و قررت أن الكل مشتبه بهم و خصوصاً رحاب و خالد و أنا بالطبع باعتبارنا كنا موجودين ليلة وقوع الحادث...
أنا لا أحب رحاب فهى مريبة و أشك بها فى المقام الأول ...رحاب لا تهتم الا بمظهرها فقط ..تحرص على وضع مكياجاً ثقيلاً و عطراً قوياً كما أن ملابسها تلتصق بجسدها دائماً و منذ أن تزوجت خالد و صارت عضوة فى الأسرة و أنا أشعر أن نظراتها و حركاتها غير مريحة و خصوصاُ تجاه رامى خطيب ريهام ..
بالنسبة لخالد أشك أن يكون قد قتل والدته على الرغم من كل الخلافات التى دبت بينهم فى الأعوام الأخيرة و تحديداًُ منذ أن أصر على الزواج من رحاب الفتاة التى لم تعجب الحاجة ابداً حتى وصل الأمر الى القطيعة بينهم تماماًُ قبل مرض الحاجة الأخير ..
سالى فتاة رقيقة جميلة اخر العنقود كما يقولون ..شخصياُ أستبعد أن تكون هى القاتلة لأنها تحب الحاجة جداًُ و كانت تعود من كليتها ثم عملها فيما بعد لتقضى كل الوقت الى جوار أمها ...
ماذا عن ريهام ؟ ريهام عصبية و دائماً ما تثور و تنفعل لأتفه الأسباب و لكننى أعرف أنها طيبة و لا يمكن أن تتورط فى شىء كهذا ...
رامى خطيبها أقرب الى الشخص الأبله...لا يفعل شيئاُ فى عالمه الا الحديث عن الموسيقى و الحفلات و تلك الأشياء التى لا أحبها ...
اذاً من فعلها؟ ...أنا شخصياُ أشك فى رحاب ...من المؤكد أنها ارادت أن يحصل زوجها على نصف الثروة فأسرعت بانهاء حياة أمه ...
النيابة تقترب من غلق القضية و قيدها ضد مجهول فلا يوجد دليل واحد ضد اى فرد ...لا توجد بصمات ...لا توجد دوافع ..اذا كان الدافع هو المال فكل الدوافع متساوية ايضاُ ...
أدخل الى غرفتى فى المساء بعد يوم عمل مجهد فالمنزل الان ممتلىء بالناس مما يتطلب منى مجهوداُ مضاعفاً فى التنظيف و اعداد الطعام و غير ذلك ...حالة الأرق مستمرة منذ مقتل الحاجة و أنا لا أستطيع النوم ..اقوم لأكل شىء ما لعل النوم يأتى ..
أقترب من غرفة سالى ...أسمعها تتحدث بالتليفون بصوت عالى و تحدث محدثها بحدة قائلة " لأ ..مش بعد ده كله يا روح أمك ....كل اللى أنت عايزه حصل...الولية و ماتت..الفلوس و حتتوزع ..البيت حنسكن فيه و ريهام حتفك منها..متستطعبتش انت عارف انى دلوقتى لازم اتجوزك.انا بنت ناس و مش حينفه اتفضح..أنت فاهم " ....ما هذا الكلام!! ليس من عادتى التصنت على أحد فى المنزل و لكن لماذا تتحدث سالى عن الحاجة بهذة الطريقة ؟؟و اى فضيحة التى تتكلم عنها سالى؟....قررت أن أستمر فى التصنت ..يبدو أن محدثها أغلق الخط ..سمعتها تحدث أحداُ معها فى الغرفة " ابن الكلب بيماطل مش عارفة ليه ..." ترد محدثتها " متخافيش يا حبيبتى حاجيبهولك من رجليه .." ....انه صوت رحاب ...ماذا يحدث بالضبط ؟ الأمر أكبر من أن أفهمه...
قررت التركيز مع كل من فى البيت فى الأيام القادمة و بدأت تحدث مواقف غريبة .. فى يوم من الأيام سمعت ريهام تتحدث فى الهاتف مع شخص ما و تهددده بانها "حتشيلهاله "..لم أفهم من هو من سيشيل و ايه اللى حيشيله ؟ و فى يوم اخر وجدت سالى تبكى فى غرفتها و عندما سألتها قالتلى أنها تذكرت الحاجة ..قررت النيابة أن تغلق القضية فرفضت الصمت و ذهبت الى " البيه " وكيل النيابة و أقررت بكل ما أعرف تخليصاُ لضميرى خاصة بعد أن تأكدت أن ذكائى المحدود و تعليمى المتوسط لن يمكنانى من الوصول للجانى..
وجدت اهتماما ً جيداُ من " البيه" وكيل النيابة بكلامى و طلب منى أن أستمر فى محاولات استراق السمع دون أن يلحظ أحد ..لم تسفر المحاولات عن جديد يذكر ...فقط أعلنت النيابة بعد عدة أياممن بلاغى القبض على أربعة متهمين " رامى, سالى , ريهام , و رحاب " ....وجدت نفسى عاجزة عن الفهم أكثر و بعد أسابيع من التحقيقات عرفت كل التفاصيل..
ذهبت الى ال " بيه " وكيل النيابة فابتسم عندما رانى و قال " اقعدى يا سنية ..طبعاً انتى مش فاهمة حاجة ...أنا حاشرحلك ايه اللى حصل ..." و بدأ يشرح " الموضوع بدأ من فترة لما الحاجة قطعت مع خالد بعد جوازه من رحاب ..بدأت رحاب تخاف ليتحرم جوزها  من الميراث ...و  المفاجأة ان رامى صديق مقرب من رحاب و أنه دخل الى العائلة بايعاز منها و ما كفاهوش  تمثيلية الحب مع ريهام بل بدأ ايضاُ يلعب على أوتار سالى الأخت الصغيرة و فهمها أنه لما عرفها حبها أكتر من أختها و أن الحل الوحيد انه يسيب أختها و يتجوزها هى لأنه بيحبها ...المهم...بدأت المواضيع تتلعبك  و خصوصاً بعد ما رامى وصل لسرير سالى و الحاجة كانت عايزة تجوز ريهام لرامى بسرعة  و رامى كان دايماً بيأجل ..المهم رحاب ورامى ملو دماغ سالى ان الحل الوحيد للموضوع ده ان رامى يسيب ريهام و يتجوزها هى و ده مش حيحصل ابداً الا لما الحاجة تتكل على الله طبعاً..كانت ريهام بدأت ساعتها تدمن المخدرات الى عرفتها اصلاً عن طريق رامى و اللى فهمها ان المزيكا و المخدرات لازم مع بعض و بدأت الفلوس متكفيش مع ريهام و أقنعها رامى و رحاب ان الحل الوحيد هو ان الحاجة تموت علشان تاخد ربع الثروة و تستريح ...المهم اتفقو الأربعة على ان الحاجة لازم تموت خصوصاً ان صحتها كانت بدأت تتحسن و ده خوفهم أكتر ...اتفقوا على ان اللى ينفذ هو رامى  علشان أبعد واحد عن الشبهة و فعلاً تم التنفيذ و اتسبك الدور كويس اوى منهم هم الأربعة و متكتشفوش الا لما اختلفوا ..رامى قرر انه مش عايز يتجوز حد من البنتين دول ..ريهام بقت مدمنة رسمى  وفى عالم تانى و سالى قتلت أمها علشان تتجوز رامى فالاتنين فى نظره زبالة...رحاب حاولت تقنعه كتير انه يهدى اللعب بس هو قفش و بدأ يخلع منهم ..ماكنوش يعرفه علاقته برحاب كل ده ..المهم وقعوا فبعض ووقعوا مع رحاب و بدأت خلافتهم تظهر على السطح لحد لما اتفضحوا....الوحيد اللى كان مغيب فكل ده هو خالد و بعد وفاة أمه رجع لهى نفسه فى شغله و ساب الدنيا تضرب تقلب فى البيت الكبير اللى مكنش بيرضى يدخله بعد وفاة أمه "
أنهى كلامه فاستمعت له مذهولة ..هل يمكن أن يكون العالم من حولنا بهذا القبح ؟؟




No comments:

Post a Comment