5/10/2011

عبد الغنى و الجانب الاخر

عبد الغنى , فتى مصرى أسمر و نحيل شأنه فى ذلك شأن الكثير من المصريين يعيش فى قرية من القرى التى لا عدد لها فى مصر و التى تنتشر على جانبى النيل.
عبد الغنى مجتهد يذهب الى المدرسة –التى تبعد عن داره ثلاثة كيلومترات- سيراً على الأقدام و يعود منها -منهكاً -سيراً على الأقدام ايضاً
عبد الغنى ذكى و ينجح بتفوق فى كل عام و هو أمل كل العائلة فى الالتحاق بالتعليم العالى بعد أن ينهى دراسته المدرسية فى العامين القادمين.
عبد الغنى يذاكر و يأكل و يصلى و يقرأ على شاطىء النيل كل يوم حتى الغروب و ينظر الى النيل فيكلمه و يشكو له و يضحك معه و يسمع منه الحكايات التى عاشها – أى النيل- منذ أن بدأ رحلته قبل بداية الزمان.
عبد الغنى يسمع من النيل عن الجانب الاخر منه , النيل يحب الجانب الاخر و يخبر عبدالغنى عن أسراره و عن الجمال الكامن وراء أشجار النخيل العالية التى تحجب ما وراءها.
عبد الغنى يشرد فى خواطره و يتخيل الجانب الاخر ....انه جنة الله على الأرض حيث الجو البديع طوال العام فلا فصول على الجانب الاخر و حيث تنمو أشجار الفواكه و الموالح بكثرة فيأكل منها القاطنون هناك..هناك يعيش الناس فى سعادة فلا ضغائن و لا كراهية و لا مشكلات ..هناك مكان أفضل من ما يقرأ عنه عبد الغنى فى كتبه عن المدينة الأفلاطونية.
عبد الغنى يحلم بالعبور للجانب الاخر و يحدث والده فى هذا الأمر فينهره الوالد و يطالبه بالكف عن الحديث أو حتى التفكير فى هذا الأمر و لكنه يظل يحلم و يجعل الجانب الخر هدفه و حلمه و يعمل على تحقيقه.
عبد الغنى ينقطع عن المدرسة  و لا يذهب اليها انما يخرج يومياً فى الصباح الى المكان الذى توجد به المعدية التى تنقل الناس الى الجانب الاخر.
عبد الغنى ينظر الى الناس و يحاول التسلل معهم الى الجانب الاخر و لكن عامل المعدية ينهره فيكتفى بالنظر الى الناس بحسرة و أمل متطلعاً الى اليوم الذى يركب مثلهم الى الجانب الاخر.
عبد الغنى يقضى ساعات طويلة أمام النيل ينظر الى الجانب الاخر و النيل لا يكف عن تحفيز عبد الغنى على عبوره الى الجانب الاخر و عبد الغنى لا يمل من سماع الحكايات من النيل عن الجانب الاخر و يطلب المزيد و المزيد.
عبد الغنى يتلقى علقة ساخنة من والده لرسوبه للمرة الأولى فى حياته و لكنه لا يهتم , انه لا يريد سوى الجانب الاخر و لم يعد يهتم بالمذاكرة أو القراءة او اى شىء اخر الا الجانب الاخر.
عبد الغنى يحاول أن يصنع مركباً ليعبر به الى مراده و لكن المركب يغرق بمجرد أن يلمس الماء  فيضحك عبد الغنى و يتذكر أحد المشاهد الكوميدية الشهيرة ثم يقرر أن يعاود الكرة مرة أخرى و أن يبحث عن طريق الى الجانب الاخر.
عبد الغنى يمرض بشدة من كثرة جلوسه امام النيل فى الشتاء و ينهره والده بشدة و تصرخ أمه مطالبه اياه أن يكف عن جنونه و أن يعود الى دراسته فامتحانات منتصف العام على الأبواب.
عبد الغنى يتسلل من فراش مرضه ليلاً بعد أن ينام الجميع و يذهب الى النيل و ينظر الى الجانب الاخر و يدعو الله أن يصل الى مبتغاه فى القريب العاجل.
عبد الغنى راقد على ظهره و ثلاثة رجال يقومون بتغسيل جثته استعداداً لدفنها , ابوه يبكى بشدة و لكن دموعه تسيل الى الداخل لا للخارج , أمه تحمل من طين الأرض و تضع فوق رأسها و تصرخ بكل ما فيها من عذاب و ألم على فراق أحب الأبناء.
عبد الغنى محمولاً فى نعشه و تسير خلفه جنازته و تصل الجنازة الى المقابر فينزلون عبد الغنى الى حفرة ضيقة رطبة و معتمة و يوارى أباه جثمانه الى الثرى فى وسط بكاء كل من فى القرية و حزنهم على فراق الفتى الذكى المحبوب.
عبد الغنى وحيداً فى القبر و الشمس توشك على المغيب و الجميع يقف على الشاطىء فى انتظار وصول المعدية التى ستعود بهم الى القرية من جديد تاركين عبد الغنى و شواهد القبور المهيبة فقط من خلفهم.
عبد الغنى....مبروك...أنت الان على الجانب الاخر.....

     **********************************************************


No comments:

Post a Comment