9/26/2011

ساعات عمل


الساعة تقترب من الخامسة مساءاً , الشمس تهبط باتجاه الغروب و يوم العمل على وشك الانتهاء.
يستيقظ من نومه متعباً و يهبط من سريره متجهاً الى دورة المياه, يغتسل و يرتدى ملابس العمل, تضع زوجته أمامه وجبته التى لا يعرف ان كانت افطاراً أو غذاءاً. يتناول طعامه البسيط- الذى يتكرر يومياً- فى استمتاع , ينتهى من طبق الفول عن اخره و يحتسى الشاى مصدراً صوتاً عالياً و يقوم من مجلسه و يقول بصوت مسموع : " توكلت على الله.و يلتفت ناحية زوجته قائلاً: السلام عليكم " ..أجابته الزوجة : " فى رعاية الله ".

الساعة تقترب من السادسة مساءاً , الشمس غربت تماماً و بدأت ساعات الليل فعلياً, الشوارع تبدو أكثر ازدحاماً فالكل عائد من عمله و الساعة ساعة ذروة.
يهبط من الأوتوبيس المزدحم بصعوبة و يسير بمحاذاة الرصيف الذى امتلأ بالبشر القادمين  و الذاهبين, يتوغل فى احد الشوارع الجانبية  و يبدأ الازدحام فى الانخفاض تدريجياً حتى يصل الى طريق شبه خال على ناصيته كلب متسكع, يقترب الكلب منه متحفزاً ثم يشم رائحته فيعرفها و يعود كامناً الى ناصية الطريق.
يستمر فى السير فى الطريق المقفر حاملاً شنطة بلاستيكية قديمة فى يده مدندناً لحناً قديماً لأغنية قديمة من التراث المصرى غير عابىء بطول المسافة و وحشة الطريق.


الساعة تقترب من السابعة مساءاً  و المبنى الشاهق يبدو ظاهراً من على بعد و ليس أمامه الا أتوبيس وحيد.
يصل الى المبنى  و يلقى التحية على سائق الأوتوبيس الوحيد فيبادله الاخر التحية و يعطيه جرائد اليوم المنقضى و أثناء ذلك يمتلىء الأوتوبيس بالركاب من العاملين و بالمصنع فيلوح السائق بيديه و يتحرك بالأوتوبيس الذى يختفى بعد لحظات غارقاً فى ظلام الشارع الطويل.
يدخل الى غرفته الضغيرة , يفتح النافذة المطلة على الشارع و على مدخل المصنع. يقترب من التليفزيون القديم الموجود فى ركن الغرفة , يفتحه فيجد فيلماً عربياً قديماً يذاع للمرة الرابعة بعد الألف, يجلس ليتابع الفيلم فى استمتاع- حقيقى- و يخرج الجرائد التى أخذها من سائق الأوتوبيس فيفتحها على صفحة الرياضة و يبدأ يقرأ الأخبار فى تؤدة و لكن بنهم.

الساعة تقترب من التاسعة مساءاً , الفيلم العربى فى مشهد النهاية حيث يقترب البطل من البطلة و يلزق فمه فى فمها بطريق حيوانية بشعة – كانت هى المألوفة فى هذا الزمان - و تنزل كلمة النهاية.
يقوم من مجلسه و يبدأ فى اعداد كوب من الشاى الثقيل على الموقد الصغير و هو يغنى أغنية لأم كلثوم.. فجأة تنطفأ أنوار المكان و يسكت التلفاز, يستمر هو فى ترديد الأغنية بنفس الطريقة و كأن شيئاً لم يحدث, بعد دقيقة كاملة أو دقيقتين, يمسك بشمعة من على الكومود أمامه مهتدياً بضوء الموقد الصغير و يشعلها.
يمسك الشمعة فى يده و يبحث عن اخريات فيشعلهن فيصير المكان مضيئاً.
يوزع الشمع فى جنبات الغرفة المختلفة و يبحث داخل شنطته البلاستيكية عن الراديو الترانزستور و يجده سريعاً فيفتحه على محطة أم كلثوم و يسترخى فى جلسته لاحتساء الشاى.

الساعة تقترب من الحادية عشر مساءاً , أم كلثوم تختم الأطلال بعد ساعتين من الغناء المتواصل و التيار الكهربى يعود الى الغرفة.
يستيقظ من غفوته القصيرة و يقوم لاعداد كوب اخر من الشاى مستغلاً اضاءة التيار الكهربائى , يفتح الشنطة البلاستيكية و يستخرج بعض ساندويتشات الجبن القديم الذى يأكله يومياً و رغم ذلك لا يمل منه ابداً, التلفاز يذيع برنامجاً غاية فى الملل يتحدث عن كيفية الحفاظ على الشباب للأبد , يتابعه باهتمام و يحاول فهم ما تعثر عليه فهمه من كلام الطبيب – ضيف الحلقة- فيفشل, ينظر الى نفسه فى المراة , انه فى الثلاثينيات من عمره و لكنه يبدو كرجل يبلغ من العمر خمسين عاماً ,يتسائل  لماذا لا يتحدث الطبيب عن تلك المشكلة بدلاً من الحديث عن العكس؟


الساعة تقترب من الواحدة صباحاً , انقطاع التيار الكهربائى مرة أخرى و لكن الشمع الذى وزعه جيداً يضىء الغرفى بكفاءة ,و صمت تام يطبق على المكان و خارج الغرفة سيارة صغيرة حديثة تستعد للوقوف أمام باب المصنع.
يفيق على صوت السيارة فيستل سلاحه و يخرج من الغرفة باتجاه السيارة التى يلمح فيها شاب و فتاة, الشاب يبدو فى العشرينيات من العمر أما الفتاة- الى ترتدى ملابس خفيفة جداً- فمن المستحيل أن تكون قد بلغت العشرين بعد , يزول توتره قليلاً و يقترب من السيارة.
يرى الشاب ملابسه و هو قادم باتجاهه فيزول توتره هو الاخر و يخرج عشرين جنيهاً و يفتح النافذة فتحة قليلة جداً تكفى فقط لاخراج ورقة النقود , ينظر الرجل اليه فى اندهاش و يطلب منه أن يفتح النافذة و يكلمه.
يفتح الشاب النافذة فيسأله الرجل " ماذا تفعل هنا فى هذا الوقت ؟ " , يجيبه الشاب ساخراً " أرى أنك تمتلك غرفة فاخرة , ما رأيك أن تؤجرها لنا ساعة مقابل خمسون جنيهاً ؟ "
تمالك الرجل أعصابه و استغفر ربه و قال " ارحل من هذا المكان فوراً "
ارتبك الشاب و بدأ يشعر أن خطته التى أعدها لقضاء ليلته سوف تفسد بفعل هذا الرجل السخيف فقال له محاولاً محاولة أخيرة " حسناً ...خذ خمسون جنيهاً و سوف نترك لك غرفتك طوال الليل " ..انفعل الرجل عليه قائلاً : " اذا لم ترحل الان فابمكانى تكسير رأسك و رأس العاهرة الجالسة بجوارك" .
ارتبك الشاب جداً و خصوصاً بعد وصف الفتاة بالعاهرة و أغلق النافذة حتى لا يسمع المزيد من الشتائم اما الفتاة فتناولت قميصاً لها ملقى على المقعد الخلفى من السيارة و أسرعت باراتدائه و كأنما أحرجها وصفها بالعاهرة, اما الرجل فالتفت عائداً الى غرفته بعد أن تأكد أنهما سيغادران المكان.
داخل السيارة التفت الفتاة- بعد أن ارتدت قميصها الى الشاب- قائلة  بحدة " أعدنى الى المنزل" ..ارتبك الشاب و احمر وجهه أكثر فأشعل سيجارة و أدار محرك سيارته و انطلق بسرعة جنونية لا للخلف للمغادرة و لكن للأمام داهساً رجل الأمن تحت عجلات سيارته.
صرخت الفتاة من هول الموقف أما الشاب فانطلق بسيارته مسرعاً هرباً من المكان.

الساعة تقترب من الثالثة صباحاً , الرجل ملقى على الأرض ينزف من مناطق عديدة من جسده المثخن بالجراح و يأن طلباً للمساعدة و لكن ما من مجيب و فى مكان اخر فى صحراء المقطم يفتح الشاب باب السيارة التى تسير بسرعة كبيرة جداً  و يدفع الفتاة الراكبة بجواره الى أرض الطريق وواصل رحلته مسرعاً.


الساعة تقترب من الخامسة صباحاً , العديد من الكلاب الضالة تقترب من جثة الرجل الذى لفظ أنفاسه الأخيرة منذ قليل و تتشممه فى فضول و الراديو الترانزستور الصغير ما زال مفتوحاً على اذاعة أم كلثوم و صوتها يبدو كأنه قادم من عالم اخر و الشمع أوشك على الذوبان كله و بقايا ساندوتشات الجبن ملقلة باهمال على أحد الطاولات.
و فى أحد الشقق بمصر الجديدة, الشاب يبدو عاجزاً عن النوم و يتقلب فى سريره كثيراً قبل أن يقرر أن يشعل سيجاره و يجلس مفكراً فى مصير الرجل و الفتاة.


الساعة تقترب من السابعة صباحاً , الشمس تستعد للشروق و يوم عمل جديد على وشك البدأ.

 أوتوبيس كبير يقترب من المصنع حاملاً العاملين به و من بعيد تبدو جثة رجل فى الثلاثينات من العمر – و لكنه يبدو فى الخمسين- ملقاة أمام غرفة الحراسة و بالداخل صوت أم كلثوم ينبعث من راديو ترانزستور صغير.
****************************************************************

9/20/2011

زوايا رؤية


زاوية رؤيا

مروة

لقد رأيت سلمى و هى تقوم بذلك الفعل الشنيع ..رأيتها تمزق الأوراق و على وجهها علامات الخوف من أن يراها أحد تفعل ذلك .
أنا أعرف سلمى جيداً منذ اليوم الذى بدأت فيه العمل بشركتنا , حقودة ..غيورة ...لا تحب سوى نفسها .. نظارتها الطبية تزيد من مظهرها خبثاً و دهائاً.
لا تتكلم كثيراً لأنها دائماً ما تفكر فى ايذاء الاخرين فلا تجد وقتاً للكلام, عادة ما تبتسم ابتسامة صفراء مقيتة تذكرنى بال باتشينو فى فيلم محامى الشيطان .
تكيد لزملاء و زميلات العمل للحصول على الترقيات بشكل أسرع و لكن مسعاها دائماً يخيب لأن العدالة ما زالت موجودة و لم تغيب.
هل تريدون شهادتى على ما حدث ؟ حسناً ...سأقول ما رأيت حرفياً دون زيادة أو نقصان و دون أن أقحم رأيى الشخصى فى سلمى فى الشهادة.
كان يوم أحد , بداية الأسبوع و كنت أتجه الى كافتيريا الشركة لاعداد فنجان من القهوة المركزة-بنفسى فلو اعتمدت على سليمان عامل البوفيه لانتظرت ساعة على الأقل- لأستعيد نشاطى و قدرتى على التركيز و مررت على مكتب سلمى فرأيتها محدقة فى الشاشة أمامها و ترشف رشفات من قهوتها و تبدو عليها أمارات التركيز الشديد .. لم ترانى و أنا أحتل موقعاً متميزاً خلف أحد الأعمدة حتى لا أضطر الى القاء تحية الصباح عليها . رأيتها بعينى و هى تفتح الدرج و تنظر حولها فى بطء لتتأكد أنه لا أحد يراها ثم تخرج مجموعة من الأوراق – من المؤكد أنها أوراق الحسابات– نظرت فيهم قليلاً لتتأكد أنها الأوراق المعنية ثم  مزقتها الى عشرات القطع الصغيرة و ألقت بها تحت قدميها فى سلة القمامة و عاودت النظر الى الشاشة و ارتسمت على شفتيها شبح ابتسامة مقيتة.
هذا هو ما رأيت و لو أن سلمى كانت أمى أو أختى لقلت نفس الكلام فهذا هو حقاً ما رأيت.




يحيى

سلمى..يالها من فتاة ساحرة تلك الفتاة..جميلة جداً ..ترتدى النظارات الطبية فتبدو أكثر فتنة ..تبتسم ابتسامتها المعهودة فأشعر بانفراجة أمل فى هذا المجتمع البائس.
هى زميلة مكتبى منذ أن جاءت الى شركتنا..قليلة الكلام ...كثيرة الابتسام .أعتقد أنها كانت تستحق الترقية فى العام الماضى فهى تعمل كثيراً جداً و باخلاص و لم تنال الترقية لأنها لا تسعى اليها مثل الاخرين كمروة و غيرها,لا أعرف عنها الكثير و لكن من المؤكد أنها بريئة من تهمة الاتلاف العمد لبعض أوراق الحسابات الهامة.
نعم رأيتها فى ذلك اليوم تمزق أوراقاً و على الرغم من أننى لم أرى الأوراق المممزقة فمن المؤكد أنها ليست الأوراق المعنية فمن المستحيل أن تقوم سلمى بهذا العمل ابداً.لابد أنها أوراق عديمة القيمة و لذا فقد قررت سلمى – من باب النظافة- التخلص منها.
حسناً ..سأقول ما رأيت و لن أضيف رأيى الشخصى فى سلمى فى الموضوع.....
كان يوم أحد,بداية الأسبوع و كنت أتصفح بريدى الالكترونى المكتظ و أنا أحتسى كوب الشاى باللبن فى تؤدة و فى المكتب أمامى تجلس سلمى كالملاك الوديع تؤدى عملها كما هى العادة – بهدوء و صمت-  و تحتسى قهوتها المفضلة بالبندق ثم يبدو أنها تذكرت شيئاً ففتحت درج المكتب و على وجهها علامات الانزعاج- أمارة على اعتنائها بعملها- و أخرجت مجموعة من الأوراق نظرت فيهم قليلاً و تأكدت من عدم أهميتهم ثم مزقتهم الى قطع صغيرة و ألقت بهم الى سلة المهملات تحت قدميها و على وجهها ابتسامة عذبة و عادت الى ممارسة عملها بتركيز و اتقان و ابتسامتها الملائكية لم تفارقها.
هذا هو فعلاً ما رأيت دون اى اضافة أو حذف و لو كانت سلمى ألد أعدائى لما أضفت حرفاً أو أخفيت حرفاً, انها مسألة أمانة.



سليمان

الانسة سلمى...انها موظفة كبقية الموظفات فى الشركة...أعرفها منذ قدمت الى شركتنا و أنا أعد لها القهوة بالبندق بدون سكر كما تحب... لا تتكلم كثيراً ..فقط تشكرنى عندما اتيها بفنجان القهوة كل صباح و تبتسم ابتسامة عادية ...أراها تركز بشاشة الحاسب الالى أمامها ولست أدرى هل هى حقاً تعمل بكد و اجتهاد أم مثل الكثيرين تمارس ألعاب شيقة و تدعى التركيز . لا أعرف و لست مهتماً أن أعرف فهذا ليس من صميم عملى..
سأقول ما رأيت دون أن يدخل حكمى على الانسة سلمى أو غيرها فى الموضوع مع أننى لست مؤهلاً لاصدار الأحكام عليها أو على غيرها.
كان يوم أحد , بداية الأسبوع ..كنت أُقوم باعداد مشروبات الصباح لبعض موظفى الشركة بشكل روتينى.
ووضعت كوب الشاى باللبن أمام مكتب الأستاذ يحيى و أخذت أبحث عن أكواب فارغة فى بقية مكاتب الغرفة الخالية و خاصة أن لدينا فى الشركة بعض الموظفين المهملين الذين يفضلون وضع أكوابهم الفارغة على الأرض أو فى أماكن يستحيل على رؤيتها و لذا فلابد من البحث جيداً.
انحنيت أسفل أحد المكاتب الخالية لأبحث فلمحت بطرف عينى الانسة سلمى تنحى قهوتها جانباً و تفتح الدرج و على وجهها علامات من عدم الراحة و أخرجت مجموعة من الأوراق نظرت فيهم لبعض الوقت ثم مزقتهم و ألقت بهم الى صندوق القمامة و عاودت النظر الى الشاشة و ابتسمت نفس الابتسامة الحيادية كالعادة.
لا أعرف أكثر من هذا و لا أعرف اصلاُ ما هى متهمة به حتى أحدد اذا كانت بريئة أم مذنبة؟
هذة شهادتى و الله على ما أقول شهيد.



سلمى

تحقيق..اتلاف أورق الحسابات عن عمد...سرقة ...أنا ؟؟ كل هذة التهم موجهة لى أنا ؟!!
أنا لا أصدق أن يتم اتهامى بكل هذا, قد لا أكون الموظفة المثالية , قد أكون شديدة الاهمال و أضعت الأوراق غصباُ عنى , قد تكون مكيدة دبرتها أحد الزميلات و لكن أنا لم أتلف أى أوراق عن عمد.
سأحكى ما حدث بمنتهى الأمانة فى صباح ذلك اليوم المشئوم رغم أننى أعلم أن الحكاية قد تظهر مدى استهتارى و اهمالى فى عملى .
كان صباح يوم أحد , بداية الأسبوع ..كنت أجلس أرشف رشفات من القهوة بالبندق التى أحبها بدون سكر و أتابع صفحتى الخاصة على الفيس بوك.
نعم...الفيس بوك..فأنا قليلاً ما أركز فى عملى و ها هى النتيجة ...تذكرت و أنا أقرأ رسالة قديمة من احدى الصديقات أننى قد نسيت أرقاما ً  و عنوايناً هامة كتبتها لبعض المطاعم و أماكن التنزه فى درج المكتب.
خشيت أن يتهمنى أحد بالاهمال اذا ما عثر على هذة الأوراق بالاضافة الى أننى لست بحاجة اليهم فى الوقت الحاضر.
نظرت حولى فوجدت يحيى زميل المكتب لا يختلس النظرات الى- كعادته- و لمحت سليمان مشغولاً بالبحث عن شىء ما أسفل أحد المكاتب كما رأيت بطرف عينى شعر أشقر يظهر من خلف أحد الأعمدة,أغلب الظن أنه يخص مروة – التى تكرهنى دون سبب ما- و عندما تأكدت أن أحداً لا يستطيع أن يرى ما فى الأوراق فتحت درج المكتب و ألقيت نظرة سريعة لأتأكد أننى لست بحاجة الى تلك الأوراق مرة أخرى مزقتها الى قطع صغيرة و ألقيت بها فى سلة القمامة ثم عاودت النظر الى صفحتى الشخصية فوجدت دعابة من أحد الأصدقاء دفعتنى الى الابتسام رغماً عنى .
أين أوراق الحسابات؟ صدقونى لست أدرى ..أعترف باهمالى و أقبل أن تعاقبوننى عليه  و لكن لا تعاقبونىى بتهمة السرقة أو الغش لأننى لست لصة و لا مزورة و لم أمزق الأوراق عمداً.
صدقونى ...أقسم أنها الحقيقة.....
*****************************************************************




9/08/2011

صور

رشفت رشفة من الشاى الساخن الموضوع بجوارى ووضعت الكوب مرة أخرى على المنضدة , اعددت عدتى و بقيت فى حالة انتظار وعندما حانت منها الالتفاتة المطلوبة ....
معذرة , لم أقدم نفسى اولاً و لا أظن أن هناك من يعرفنى..اسمى خالد شاب فى العشرينيات من عمرى , لا داعى لوصف نفسى على طريقة قمحى اللون طويل قليلاً , متوسط الوزن ما بين البدانة و النحافة فهى لن تسهم على الاطلاق فى التعرف على اذا ما قابلتنى فى حياتك اليومية , و لذا فلتكتفى باسمى و فقط , أعمل مصوراً لحساب احدى الجرائد الخاصة و فى وقت فراغى أعمل مصوراً لحساب نفسى .
أحب مهنتى جداً فالكاميرا بالنسبة لى هى الة الزمن , عندما فكر العلماء فى اختراع الة للعودة الى الماضى لم يطرأً بذهن أحدهم أننا فعلاً نملك هذة الالة, فمن الممكن الان أن تعود طفلاً أو شاباً , أن تسترجع منظراً رأيته أو صحبة لا تتكرر.
كل هذا  صار ممكناً بفضل الكاميرا ... الان اعود لأحكى لكم عن فاتنتى التى قضيت أكثر من ساعة فى تصويرها دون أن تشعر ..كان هذا منذ  وقت طويل و لكننى أحتفظت بالألبوم الخاص بها ضمن أعز ألبوماتى والتى أطالعها بصفة دورية ..وجهها مصرى أصيل , سمرتها تؤكد لكل بنات الغرب أن الجمال المصرى – عندما يكون أصيلاً – لا أحد يقدر على منافسته , شعرها أسود ليلى طويل ينسدل فوق كتفهها و عيونها العسلية تلمع فى وجه الكاميرا و كأنها نجمة سينمائية رغم أن كل تلك الصور تم تصويرها دون أن تعرف.
أعطيتها – اى الفتاة – اسماً لن أقول لكم عليه فهو سر من أسرارى الخاصة و تخيلت حوارات كثيرة دارت ما بيننا فاكتشفت أننا متقاربون فى الكثير و الكثير من الأشياء.
استمرت الحياة على الوتيرة العادية من عمل و تصوير و غير ذلك و مضت الأيام و تزوجت من احدى قريباتى و عشت حياة تقليدية أشبه بحياة معظمكم , عمل فى الصباح ثم العودة الى المنزل, أيام جميلة أحياناً و مشاكل و شجارات فى أحيان أكثر...طفلة صغيرة زادت من أعباء الحياة مادياً و استهلكت معظم أفلام التصوير فى ألبومات يومية خاصة به , كانت زوجتى تكره الكاميرا و تكره التصوير و ترى فيها مضيعة للوقت و خصوصاً أنها كانت من أنصار الا تصبح الهواية عملاً و طالما طلبت منى الدخول فى مشروع تجارى لزيادة الدخل و لكننى دائماً ما كنت أحسم الأمر بقول " لقد خلقنى الله مصوراً و لا أصلح لأى شىء اخر غير ذلك " ..
هكذا كانت حياتى تسير  بشكل نمطى و لكننى لم أنس فتاة الكاميرا ابداً و كنت ما زالت أحرص من حين الى اخر الى الذهاب الى المكان الذى شاهدتها فيه منذ أعوام و لكننى مع مرور الوقت فقدت الأمل فى أن تظهر مرة أخرى.
فى ذات صباح جائنى خطاب من احدى شركات رجل أعمال مشهور يخبرنى فيه أننى قد فزت بالجائزة الأولى للمعرض عن احدى صورى التى نشرت بالجريدة و قيمة الجائزة خمسون ألأف جنيهاً , و فى النهاية مكان و ميعاد حفل تسليم الجوائز.
فرحت جداً بخبر فوز احدى أعمالى بجائزة و فرحت زوجتى جداً بمبلغ الخمسين ألف جنيه و قضت عدة أيام  مسسكة برزمة من الورق و قلم لحساب كيفية استثمار مبلغ الجائزة و أنا تجاهلتها و قررت التركيز فى تصوير الطفلة الصغيرة التى تحمل أحب الأسماء الى قلبى.
فى يوم الحفل, ارتديت بدلة جديدة فلا بأس من قليل من الانفاق فهناك خمسون ألفاً قادمة  فى الطريق و بدا شكلى لأول مرة مقبولاً لدى نفسى, أخبرت زوجتى بأن الحفل مقتصر على شخصىو لا يمكننى أن اصطحبها و هو ما رحبت به هى بعد أن صارت مطيعة جداً منذ أن علمت بخبر الجائزة , قد يكون هذا التزامن بين تغيير معاملتها و فوزى بالجائزة محض صدفة ثم ان بعض الظن اثم, سأعتبر هذا من البعض الاثم و ليس من البعض الاخر.
دلفت الى المكان فوجدت أن الحفل مقام لتكريم العديد من نجوم الأدب و السينما و ما أنا الا نقطة فى بحر المكرمين.
خرجت الى الشرفة لأدخن فرأيت وجهاً أعرفه جيداً , وجهاً قضيت  أكثر من ساعة منذ عدة أعوام فى تصويره خلسة من على بعد ... انطلق لسانى وحده باسمها ...
اسمها الذى سميته لها..التفتت متباغتة و نظرت الى طويلاً و قالت  مبتسمة و لكن اسمى ليس .....
بوغت من المفاجأة فصمت تماماً و كانت هى من قطعت الصمت "..أنت خالد عبد الحق المصور الفائز بجائزة أحسن صورة , أليس كذلك ؟"
ها هى مفأجاة أخرى فهى تعرف اسمى ؟ أجبتها بتلقائية و بسذاجة "و كيف عرفت ؟"
قالت أنها تتابع صورى بشكل ثابت كما أنها رأتنى فى ذات مرة فى الجريدة ..
لا أذكر أن صورتى ظهرت فى الجريدة الا فى مرة واحدة عندما أنجبت ابنتى التى سميتها على اسمها الذى لم يعد اسمها منذ دقائق ..من الواضح أنها متابعة جيدة لى و لصورى .
تابعت قائلة " هل تعلم ؟نظرات الطفلة فى صورتك تستحق جائزة عالمية و ليست فقط جائزة محلية ؟كما أن منظر الخلفية من فرط ملائمته يبدو و كأنه غير حقيقى "
ابتسمت فى بلاهة و لم أرد و استمرت هى تسرد تفاصيل عن صور نشرت لى فى الجريدة ..تفاصيل أنا نفسى لا أذكرها ... وعندما أعلن عن بدأ مراسم الحفل لمحت انزعاجاً فى عينيها و مدت الى يدها للسلام قائلة " فرصة سعيدة جداً يا أستاذ خالد .. سلامى لابنتك ..... بالمناسبة أنا أحب اسمها كثيراً و لكننى لا أفهم كيف تصورتنى هى فى بادئ الأمر , ان فرق العمر بينننا كبير " .. قالتها و ضحكت و تركتنى غارق فى عرقى و حيرتى .
دلفت الى داخل القاعة دون أن أدخن و أخذت أتابع المراسم بعين واحدة بينما العين الأخرى تبحث عنها و جاء دورى لاستلام الجائزة فصعدت الى المنصة و استلمت الجائزة من رجل الأعمال المعروف و بعدها  استسسلمت لعيون المصورين فى بساطة و عيناى تجولان المكان بحثاً عنها و عدت الى مكانى متوتراً و جلست به حتى انتهى الحفل و استعديت لمغادرة المكان فسمعت صوتاً هو صوتها ينادى باسمى , التفت فوجدتها تتأبط ذراع شاب وسيم و قالت " أعرفك يا أستاذ خالد... الفنان الشاب ...الفائز بجائزة أحسن ممثل شاب و زوجى

قدر

1
مهموماً يائساً يخرج من باب الجامعة بعد اعلان النتيجة , ها هو عام جديد قد مضى دون أن ينجح فى أن ينجح ...ها هو عامه الرابع فى السنة الثانية و عامه الثامن فى الكلية التى يبدو أنه سيعيش فيها للأبد , محبطاً يتجاهل اتصالات أخته الكبرى و اتصالات فتاته, الأولى تفهم ما فى الأمر فتقرر ألا تتصل ثانية اما الثانية فتصر على الاتصال فتنفلت أعصابه و يجيبها منفعلاً و يخرج كل شحنات انفعاله فيها ويسبها و ينهى المكالمة.
يضع هاتفه فى جيبه و يشعل سيجارة , يجلس على الرصيف فى ملل و احباط فاق الحدود, تمر سيارة يقودها شاب فى عمره و الى جواره فتاة جميلة ويبعثر مياة المجارى المتكومة على الأرض على ملابسه .
يشعر بأن الكون كله يعانده و أن لا أحد يريده فى الحياة , تزداد فكرة الموت لمعاناً فى ذهنه كحل أخير لكل ما يمر به من مشاكل لا نهاية لها.
متسخ الملابس جالساً على الرصيف يخرج هاتفه المحمول فيجد رسالة من فتاته تخبره بأنه فاشل و يعلق فشله عليها و تعلمه بأنها لا تود أن تعرفه مرة أخرى.
ها هى مصيبة جديدة تضاف الى مصائبه , يضع هاتفه فى جيبه و يخرج من جيبه الاخر عدة عملات معدنية يعدها بسرعة و يبتسم فى استهزاء و يستعد للذهاب الى مسكنه الذى يعيش فيه وحيداً منذ زواج أخته الكبرى التى لولا مساعدتها له مادياً من وراء زوجها لما بقى على قيد الحياة.
 يعبر الطريق ليقف فى الموقف منتظراً الأوتوبيس الذى سيقله الى البيت بملابس متسخة و روح محبطة يائسة وفكرة الانتحار قد تمكنت منه كلية خصوصاً بعد سماع سخرية لاذعة من مجموعة شباب يتسكعون فى الطريق بلا هدف و يستقر ذهنه على الفكرة و يستعد لتنفيذها فيتقدم بضع خطوات الى الأمام حتى يصبح فى عرض الطريق.
2
 يشعل سيجارة فى غرور و كبرياء و يرمق الفتاة الجميلة الجالسة الى جواره فى السيارة و قد امتقع وجهها , ها هى تعود مرة أخرى للحديث عن ضرورة الزواج من أجل السترمن الفضيحة التى تسبب فيها , يستمع اليها فى لا مبالاة و لا يرد على كلامها الذى بدأ يتحول الى رجاء تقريباً , مسكينة هى لا تعرف أنها ليست الأولى التى يغرر بها ولا تعرف أنه لن يتزوج بها ابداً و لا بغيرها لأنه بالفعل متزوج و رزقه الله بطفلة منذ أسابيع قليلة و لكنه لا يكف عن التغرير بالفتيات الجميلات مثلها , حباه الله بأسرة غنية ساعدته على اتمام زواجه فى سن مبكر كما رزقه الله بزوجة و طفلة من أروع ما يكون و لكنه تعود على التدليل و لم يكف عنه فقد استمر فى اقامة علاقات مع فتيات بريئات أوهمهن كلهن أنه الزوج المنتظر حتى حصل على غرضه منهن ثم لاذ بالفرار , هذة الفتاة تعجبه و لذا فهو ما زال محتفظاً بعلاقته بها الا أن حديثها المتكرر عن ضرورة الزواج بدأ يزعجه فقرر الا يقابلها ثانية و أن ينهى علاقته بها الان.
حاولت زوجته معه مرات عديدة منذ زواجهما و قد ظنت أنه بعد أن رزق بطفلة سيكف عن ضلاله و لكنها وجدت على هاتفه المحمول رسائل و مكالمات أكدت لها أنه فى علاقات جديدة وأنه لا فائدة ولا أمل من انصلاح حاله الا  فسلمت أمرها الى الله داعية له بالهداية بعد أن يأست من نصائحها الى تذهب هباءاً.
يسرع بالسيارة حتى يوصلها الى بيتها و يعبر فوق بركة من مياه المجارى فيغرق شاباً يائساً جالساً على الرصيف بها دون أن يدرى.
يصل الى منزل الفتاة فى نهاية الشارع فينزلها أمام منزلها و يستدير فى الاتجاه المعاكس ليمضى مسرعاً فى طريق العودة باحثاً عن تجربة جديدة و فتاة أخرى بريئة, يخرج زجاجة صغيرة من الخمر و يجرعها فى بطء وهو ينطلق بالسيارة.
الشارع شبه خال فيزيد من سرعته و  فجأة يجد شاباً متسخ الملابس يقفز الى منتصف الطريق و تصبح مفاداته مستحيلة
3
 عربة شرطة و عربة اسعاف و عشرات المارة فى الشارع تجمعوا لرؤية الحادث المروع و فى وسط المشهد جثة شاب متسخ الملابس تغطيها حفنة من أوراق الجرائد و شاب ذو ملابس منمقة يبكى منهاراً ويقسم أن الشاب الاخر هو من ألقى نفسه فى عرض الطريق ولا أحد يصدقه.
رجل شرطة يخرج زجاجة شبه فارغة من الخمر من السيارة و يتوجه الى الشاب الباكى الجالس على الرصيف و يمسك به بقوة و يستعد الجميع للذهاب

دعوة زفاف

كما تبدو أيام العمل متشابهات فان أيام عدم العمل تبدو ايضاً متشابهات ..لا يوجد جديد فى حياتى منذ أن تركت العمل فى شركة الدعاية و الاعلان التى ظللت أعمل بها عدة أعوام و قدمت استقالتى منها منذ عدة شهور , يومياً أستيقظ فى الثانية ظهراً أو بعد ذلك فاخذ حمامى و اعتنى جيداً بزينتى و أذهب الى مصفف الشعر و من بعده الى النادى أو الى احد الكافيهات المحيطة بالنادى , أفتح اللاب توب و أطالع جديد الأصدقاء لعدة ساعات ثم أعود لتناول الغذاء مع أمى التى تعود من عملها قرب المغرب تقريباً , بعد الغذاء أقضى وقتى فى الاعداد لسهرة المساء التى عادة ما تبدأ فى التاسعة و تكون بمنزل احدى صديقاتى العاطلات عن العمل و الزواج مثلى و لا يكون بها أكثر من التدخين و مشاهدة فيلم احياناً يكون فيلماً ثقافياً و النميمة ولعب الورق الذى تحول الى قمار مؤخراً كنوع من أنواع كسر روتين اللعب و مع اقتراب منتصف الليل نعود الى منازلنا فمازال أهالينا يشعروننا أننا ناقصات الأهلية و لا يصح أن ينتصف الليل علينا و نحن لسنا بالمنزل على الرغم من اقترابنا من سن الثلاثين و بعد العودة الى المنزل نكمل السهرة على الانترنت او فى مكالمات طويلة لا طائل من ورائها الا اهدار الوقت.
فى تلك الليلة فتحت اللاب توب كالعادة فوجدت دعوة لزفاف احد زملاء الدراسة القدامى و يشير التاريخ الى الجمعة القادمة و توجد صورة لزميل الدراسة فى نفس هيئته منذ أعوام و الى جواره فتاة غير جميلة تلتصق به و تبدو عليها علامات السعادة فى شكل كرتونى سخيف جداً و على الحائط الخاص بالدعوة كتب الكثيرين كلمات تهنئة تقليدية تحتوى على الكثير من الاستظراف و محاولة جذب انتباه الاخرين ممن يرونها.
سجلت حضورى الكترونياً و كتبت على الحائط مثلهم كلمات تقليدية للغاية فعلاقتى بالعريس محدودة للغاية و قد كانت مقطوعة منذ أن تخرجنا من الجامعة.
أقل من دقيقة و أجد اعجاب بما كتبته من شخص لا أعرفه, أفتح ملفه الشخصى فأجده شاباً وسيماً يبدو فى الثلاثينيات من عمره , أتصفح صوره فأجده حقاً وسيماً جداً و ليست مصادفة صورة الملف الشخصى , تفاجأنى التنويه عن وجود رسالة جديدة فى الصندوق الخاص أفتحها فأجدها منه " منتظر أن أراك الجمعة القادمة فأنا على ثقة أن صاحبة الصورة تفوق الصورة بهاءاً و جمالاً " ..كتبت الرسالة بانجليزية متقنة وممتازة و بلا خطأ واحد , احترت ماذا أفعل , هل أرد أم اتجاهله و ان قررت أن أرد فماذا أكتب له؟هل أوبخه على ارساله لى دون سابق معرفة و لو لمته هل ألومه بعنف و بقسوة أم بدلال و رقة ؟الحقيقة أننى أعجبت بجرأته و لكننى قررت عدم الرد.
فى اليوم التالى فتحت الجهاز و أرسلت له كلمة واحدة هى " شكراً "
بدأت الاستعداد مبكراً لحفل الزفاف فاشتريت فستاناً جديداً قصيراً للغاية و بلا أكمام وردى اللون جعلنى أقرب لنجمة سينمائية عندما ارديته و بعدها صبغت شعرى بلون يتماشى مع فستانى الجديد و قضيت يوماً كاملاً فى شراء الاكسسوارات الخاصة بالفستان حتى جاء الخميس فصرت مستعدة تماماً للزفاف كما لو أننى من ستزف بالغد و لم يبق الا اللمسات النهائية التى لابد أن تكون فى اليوم ذاته.
أشغلتنى ترتيبات الحفل عن متابعة الانترنت فى اليومين الأخيرين و عندما فتحته وجدت رسائل كثيرة معظمها كالعادة من أناس لا أعرفهم من نوعية ( الدكتور عبد الوهاب حمزة ) و ( م.شريف اللباد ) فمسحتهم كالعادة دون قراءة ووجدت ايضاً عدة رسائل من زملاء دراسة يسألوننى عن اذا ما كنت سأذهب الى الحفل ؟ و بعضهم يعرض أن نذهب معاً رغم بعد المسافة بين مسكن كلا منا!
لم أندهش كثيراً فمنذ أن فسخت خطبتى فى العام الماضى و كل من أعرفهم من رجال يشعرون و أننى قد أصبحت مشاعاً للجميع و كلهم يرغبون فى التقرب و خطب الود و كأن الفتاة التى تفسخ خطبتها على استعداد للدخول فى علاقة سريعاً و دون أسباب.
و مما زاد أكثر من تطلعاتهم أننى قد خلعت حجابى منذ فترة قصيرة و يبدو أن صورتى الأخيرة دون غطار رأس قد أثارت انبهار العديد ممن أعرفهم فقد عادوا الى وصل علاقات انقطعت منذ قديم الأزل من جديد.
اللعنة على تفكير الرجال فى مجتمعنا المتخلف البائد الفكر , انهم يظنون أن تركى لخطيبى و خلعى للحجاب يعنيان نيتى المبيتة فى التحول لفتاة ليل أو فى نظر أكثرهم تحضراً و تحرراً اشارة لاقامة علاقة عاطفية مع من يريد.
تجاهلت الرد على كل الرسائل و ذهبت للنوم مبكراً حتى أبدو فى أبهى صورة وقت الزفاف ومنذ صباح الجمعة و أنا أضع اللمسات النهائية حتى حلت الساعة الثامنة فصرت مستعدة تماماً للظهور فى الحفل.
انتظرت صديقتى التى تأخرت برهة ثم ركبت فى سيارتها متجهة الى الفندق الفاخر و منذ دخولى الى الحفل فقد لاحظت أنه حقاً مبهر و مكلف و لا يعكر صفوه الا انخفاض نسبة جمال العروس.
التقيت بالعديد من زملاء و زميلات الدراسة على نفس الطاولة و منهم من عاتبنى برقة على خلعى للحجاب و منهم – و هو فريق ضم أغلب الرجال – من أخذ يثنى على جمالى فى ال( نيو لوك) و اتفق الرجال جميعاً – حتى المتزوجين- على النظر الى جسدى بشكل مقزز و تفحص كل جزء منه ببجاحة لم اعتدها من قبل.
أخذت أجول ببصرى بحثاً عن مرسل الرسالة فلم أجده و حاولت تحمل لزاجة الزملاء من نظرات خادشة للحياء و دعوات للسهر و السفر معاً رغم ضعف العلاقة بيننا.
مرة أخرى ..تباً لعقلية رجال هذا المجتمع...
ام أستطع أن أتحمل أكثر فخرجت من القاعة لتدخين سيجارة من المؤكد أننى لو أشعلتها و أنا محاطة بهذة العقليات فلن أتعجب لو تهجم على أحدهم محاولاً اغتصابى أو بعرض مقابل مادى على لقاء ليلة حمراء.
مددت يدى أعبث بها داخل الحقيبة بحثاً عن قداحة فسمعت صوت قداحة و رجل ( بعد اذنك) , نظرت فوجدته أمامى ,  يشبه صورته على الانترنت كثيراًتغلبت على دهشتى و تركته يشعل سيجارته و يشعل لنفسه واحدة ..كان أنيقاً للغاية ووسيماً ..عرفنى بنفسه فى كلمات موجزة و سألنى عدة أسئلة جاوبته عليها فى تلقائية و مر الوقت و نحن نتحدث بسلاسة و بلا حواجز و كأننا نعرف بعض منذ زمن بعيد.
هبطنا معاً الى الكافيه الموجود بالدور الأرضى دونما اتفاق و جلسنا  نتبادل الحديث لساعات و بعدها صار كلا منا يعرف الاخر جيداً .
عرض على اصطحابى فى جولة فى شوارع القاهرة التى تكون جميلة جداً فى الليل فوافقت بلا تردد مثل المسحورة وسرت معه الى سيارته و ركبت بجواره.
أغلقت الهاتف المحمول فى وجه أمى التى اتصلت عدة مرات و استسلمت له تماماً و هو يداعب شعرى بأصابعه و يطبع على شفتاى أول قبلة من رجل فى حياتى ..
شعرت كالمغيبة عن الوعى و السيارة ما زالت تسير و قد احتضن خصرى فى حنان و داعبنى بلمسات لم يعرفها جسدى من قبل , لم أفق الا عند توقف السيارة أمام مبنى على الطريق السريع, طلب منى النزول فأطعته كالممسوسة دون تفكير.
دلفنا الى داخل المبنى الذى هو فندق من ذوى النجوم الثلاثة , حيا المرأة الجالسة فى الاستقبال بفتور فابتسمت ابتسامة صفراء , صعدت معه الى غرفة فتحها دون مفتاح و أحكم اغلاق الرتاج من الداخل.
بدأت أشعر بتوتر بعد اغلاق الباب و لكنه احتوانى فى حنان و بدأ فى تقبيلى برقة و بهدوء سرعان ما تحولا الى فوران من العاطفة و الرغبة فشعرت بتوترى يزيد بسرعة و خاصة عندما بدأ يحاول نزع فستانى بقوة مما دفعنى لدفعه بعيداً عنى بتوتر و بقوة.
ارتبك و أخذ يمسح عرقاً تصبب على جبينه ثم حاول احتضانى مرة أخرى فرفضت بشدة رغم تكرار محاولته أكثر من مرة , فجأة لمحت تعبيرات الانفعال على وجهه و قام من مجلسه و أخرج حافظة نقوده من جيبه و ألقى فى وجهى بورقة بمائتى جنيه.
انتفضت كالمذعورة من مكانى و حاولت الفرار فأمسك بذراعى بقوة و قال ( حتعمليلى فيها شريفة يا ش.... ) ..نزلت الكلمة على أذنى كالصاعقة و لم أشعر بنفسى الا و أنا أهوى بكل ما أوتيت من قوة على وجهه بصفعة لم أصفعها من قبل لأحد و جريت نحو الباب فعالجت مزلاجه و خرجت و أنا أسمعه يكيل لى السباب..
هل أنا فعلاً كما قال ؟هل تحولت الى ذلك ؟أم أننى أعيش فى مجتمع متخلف لا يعطينى الحرية الكاملة ؟أشعر بتشوش أفكارى و عدم القدرة على فهم اى شىء مما حولى ...
خرجت الى الشارع فى حالة يرثى لها والسيدة فى الاستقبال توجه لى كلاماً لا أسمعه ولا أفهمه و أحاول جاهدة الهروب من هذا الموقف المحرج و الوصول الى المنزل

ذكرى

الذكرى تعاودنى .انتهى من عملى و الذكرى تملأ رأسى و المشهد لا يفارق شاشة خيالى , مشهد الليلة الموعودة و عيون الناس, نظراتهم الغريبة و لمسات بعضهم الحانية على كتفى فى الظلام.
لا اذكر شيئاً قبل هذة الليلة  التى تعود لتطل من نافذة الماضى بلا انقطاع و باستمرار , أتذكر و أنا أكاد أموت جوعاً و عطشاً و برداً , يحمل البعض الى الماء و يحمل الاخرون الطعام,اكل بشغف و بلهفة البقاء فى الحياة و يرحل الكل و يبقى رجل كبير طاعن فى السن ذو لحية بيضاء , يبتسم ابتسامة حنون و يصحبنى من يدى الى المكان الذى سأقضى فيه فيما بعد سنوات كثيرة من عمرى.
 أفيق من ذكرياتى و أعود الى اللحظة الحالية و اطرد ذكرياتى بالقوة التى اعتدها فهى تهاجمنى فى كل ليلة أعمل بها , أعد النقود جيداً و أدسها فى جيبى بلا مبالاة , أفتح الباب و أهبط دون سلام, أشير الى سيارة أجرة و أركب فى المقعد الخلفى و أحاول أن أتحمل سخافة السائق الشاعر بالملل و قد صار مملاً للغاية.
أصل الى المنزل فأهبط و أعطيه حسابه و اصعد درجات السلم فى بطء من ليس لديه ما يفعله.
أدلف الى المنزل و اغلق هاتفى المحمول و القيه بعيداً , اخلع كل ملابسى و اسير بلا ملابس الى الحمام و احاول أن أغسل بالماء روحى مع جسدى, ما زالت ذكريات الليلة تداهمنى و أنا تحت الماء البارد.
...أعتقد انه لولا تلك الليلة لاصبحت احيا حياة أخرى تماماً , كان من الممكن – بل من المؤكد – أن حالى سيتبدل و سأحظى بحياة أخرى غير تلك التى أحياها.
أعلم جيداً أنه من المستحيل تغيير الماضى و لكننى لا أرغب فى تغييره و لككنى أرغب فى أن أنساه فقط.
أريد أن انسى تلك الليلة و ما بعدها ..
اريد أن أنسى مظهر أبى و هو مستغرق فى الضحك من حكاية أمى التى ترويها له و هى جالسة الى جواره فى السيارة .
أريد أن أنسى أن هناك سيارة كانت تقطع الطريق و أن أنسى أننا اصتدمنا بها بكل قوة
أريد أن أنسى الدماء التى ملأت المكان و ان انسى أننى ركضت و ركضت حتى وقعت من التعب
انهى حمامى فانتشف جيداً  و اذهب الى غرفة نومى , لا أشعر بالرغبة فى النوم و لا فى مشاهدة التلفاز , انظر الى الساعة فأجد الوقت مبكراً و بالامكان العمل مرة أخرى ..تراودنى الرغبة ذاتها فى النزول الى الشارع وصفع كل من أقابله على وجهه بكل قسوة و عنف.
ماذا لو كان أبى قد رأى السيارة و هى تقطع الطريق؟
ماذا لو لم تحكى له أمى تلك الحكاية ؟
ماذا لو لم ترق له الحكاية فلم يضحك؟
ماذا لو لم تحدث تلك الحكاية ابداً لتحكى من الأصل؟
ماذا لو لم أركض من السيارة فى ذعر و انتظرت الى جوارها؟
ماذا لو لم يقرر الرجل الطاعن فى السن ايداعى الدار؟
ماذا لو كنت هربت من الدار ؟
ماذا لو لم أستجب للغواية الأولى  داخل الدار و التى لم تكن الأخيرة ؟
ماذا لو كنت وفقت فى الحصول على عمل بعد تركى للدار؟
ماذا لو واحدة من هؤلاء كانت ستغير مجرى حياتى..
أقوم فاتوضأ و أصلى – و هى عادتى التى لا أقطعها ابداً – فأشعر بالراحة النفسية و تذهب ذكرى تلك الليلة بعيداً مؤقتاُ.
ارتدى ملابسى و أتزين جيداً و أصفف شعرى بعناية و أرش على نفسى  قليلاً من العطر ثم أضع ما تبقى فى الحقيبة بجوار قميص النوم الأحمر.
أهبط الى الشارع متجاهلة نظرات من أقابلهم على السلم او فى الطريق.
اصل الى مكانى المعتاد فأقف و أفاضل بين عدة سيارات  توقفت و بالخبرة و الاحساس اختار واحدة منهم و أركب فتعود لى ذكرى الليلة الموعودة

اعدام

بخطوات واثقة سار بتؤدة و برأس مرفوعة عالية تتطلع الى النهار القادم.
الطقس أكثر من رائع و النسمات القادمة من الشمال تبشر بنهار ربيعى مثالى الجو.
هذا النهار هو نهاره الأخير فى الحياة.
يبتسم سره من سخرية القدر و يحتار هل يحزن لأنه لن يتمتع بهذا اليوم الرائع أم يفرح لأن اخر أيامه فى الحياة يبدو يوماً رائعاً؟
من مكان ما يستمع الى تغريد العصافير , ينصت السمع فيجدها أغنيته المفضلة و لكن من عزف و غناء العصافير , يبدأ فى التمايل يميناً و يساراً مردداً كلمات الأغنية التى يحفظها عن ظهر قلب , يستمر فى التمايل فى سعادة تدهش من يسيرون خلفه فى الموكب و كبيرهم ينظر اليه مستهزءاً كما لو كان ينظر الى شخص مجنون.
يعتلى درجات المنصة بسرعة كما لو كان يتعجل الأمر و لا يرغب فى أن يطيل عمره قليلاً.
فى لحظة واحدة يرى أمامه شريط حياته كما لو كان فيلماً يمر فى ذهنه منذ الطفولة و حتى اللحظة الحالية.
يبكى, يضحك , يستثار , يشمئز , يفخر , يندم و يبتسم ..كل هذا فى نفس اللحظة.
يا مرحباً بالموت فلا يوجد لديه من أو ما يعيش لأجله, يكفى ما أفناه من عمر من أجل الوطن.
الوطن....ما هو الوطن .... هل هو الأرض أم المبانى أم السلطة الحاكمة أم الناس أم الذكريات أم مجرد الشعور بالانتماء الى شىء ما؟
هل من كانوا يسيرون خلفه الان هم أبناء نفس الوطن, هل من يحكم الان ربط الحبل حول عنقه يعمل من أجل الوطن أم ضد الوطن؟
هل كان هو نفسه يخدم الوطن أم كان مخطئاً يضر الوطن و يؤذى نفسه ؟
هل من أصدر الحكم ضده يكره الوطن ؟ أم أن الحقيقة أن لكل منا الوطن الخاص به؟ يحبه و يعمل من أجله بالطريقة التى يراها من مصلحة الوطن؟
الوطن ...يالها من كلمة تحمل الاف بل ملايين المعانى.
المجد كل المجد لك يا اينشتين , فنظرية النسبية تثبت نجاحها و عبقريتك يوماً بعد اخر, ها هو الوطن نفسه قد صار نسبياً ...اه يا ألبرت أنك حقاً معجزة!!
يغمض عينيه فى انتظار اللحظة الموعودة , يسألأونه عن رغبته الأخيرة فيحتار هل يطلب فنجاناً من القهوة أم وجبة فطور ؟سؤال سخيف فى غير محله ! فالطلب الأخير محير حقاً و لكنه يتجاوز حيرته و لا يطلب شيئاً فقط يفتح عينيه ليتمتع بالنظرة الأخيرة الى الحياة فيراها.
تصطدم عيناه بعيناها بغتة؟ متى دلفت الى هذا المكان ؟ و ماذا تفعل ؟يجيب معطفها الأبيض على السؤالين.
يطيل النظر الى عينيها التى تشع ضوئاً منخلف النظارات الطبية.
تبتسم له و كأنها بابتسامتها و نظراتها تقول له كلاماً كثيراً , كأنها تشكره على ما قدمه من أجل وطنه وتعاتبه – فى نفس الوقت- على عدم حرصه ووقوعه فى يد هؤلاء.
عينها اليمنى تمتن له على تضحياته  و اليسرى تلعن شجاعته الزائدة أو عدم حرصه الذى أوقعه فى الفخ.
يبادلها النظرات يتجاهل الامتنان و العتاب و يرد بنظرة أنا أحبك و أريد أن أعيش من أجلك أنت فقط, من أجل أن أكون معك و أن أرى عينيك مرة أخرى.
اللعنة على سخرية القدر مرة أخرى , ها هى من يحبها الان, لحظات قليلة و ستنحنى على جثته لتعلن وفاته رسمياً, راها بعين الخيال تنحنى لتفحص نبضه و تدون كلمات قليلة فى النوتة التى تحملها تعلن  بها أنه قد صار – رسمياً – ميتاً.
قطع حبل أفكاره صوت حبل المشنقة و ان هى الا لحظات قليلة و كان قد صار فى عداد الأموات.
انحنت بمعطفها الأبيض تفحص نبضاته و دونت بشكل روتينى كلمات قليلة فى النوتى التى تحملها.
تماماً نفس المشهد الذى راه بعين الخيال لم ينقصه الا تفصيلة واحدة.
دمعة ساخنة انحدرت من عينيها من أسفل نظارتها لتحرق خدها

غرفة الذاكرة

الضباب يسود المكان , الرؤية صعبة للغاية, الاستمرار فى القيادة فى وسط هذا الضباب تعنى مخاطرة غير مأمونة العواقب, أتوقف بالسيارة على جانب الطريق و أشعل سيجارة أدخنها فى استمتاع و أفتح النافذة قليلاً ليخرج الدخان منها.
أرجع بالكرسى الى الوراء و أواصل الاسترخاء فى مكانى , يبدو أنه ما زال هناك وقت حتى ينقشع الضباب و توضح الرؤية لأواصل طريقى .
ألقى بالسيجارة من النافذة الى الضباب و أشعر بالرغبة فى النعاس تطاردنى , أغلق عيناى و ترهف حواسى فأسمع صوتاً هامساً ينادينى من بعيد .
أرهف السمع أكثر,  أتأكد أننى المعنى بالنداء.
أفتح باب السيارة و  أترجل منها . الضباب يجعلنى عاجزاً عن أن أرى أمامى فأتحرك ببطء باتجاه الصوت و أفرد يداى أمامى محاذراً من الاصطدام بشىء فى طريقى , يزداد الصوت اقتراباً منى .. أتعثر فى شىء ما , أمد يدى و التقطته , انه مفتاح غريب الشكل . أضعه مكانه مرة أخرى و أواصل التقدم نحو الصوت الذى يخفت , يبدو أننى لست فى الاتجاه الصحيح.
مرهفاً السمع أكثر أعاود تتبع الصوت الذى يزداد قوة , تلمس يدى المبسوطة أمامى  شيئاً ما فيتوقف الصوت تماماً , أتحسسه بيدى و أقترب فأراه من وسط الضباب , انه باب خشبى يحمل لافتة فوقه على ما يبدو , أرفع رأسى لأرى اللافتة فتبدو كلمة واحدة ( الذاكرة ) و الباب نفسه لا يوجد به اى علامات . أدفعه فلا يستجيب.
يبدو انه بحاجة الى مفتاح ....
مفتاح ... نعم ... لابد أن ما عثرت عليه و ألقيته كان مفتاح هذا الباب , أعود أدراجى سالكاً نفس الطريق و سط الضباب محاولاً تذكر أين تركت المفتاح, بعد فترة ليست بالقصيرة و لا بالطويلة من الزحف على الأرض أعثر على المفتاح.
أتنهد فى ارتياح و أحمله و أذهب من الجهة الأخرى بحثاً عن الباب, الصوت قد توقف فأصبحت المهمة أكثر صعوبة , هل كان الباب مصدر الصوت أم ما وراء الباب؟
ها هو الباب ... أدخل المفتاح  فى الباب فيفتح , أدفعه برفق و أدخل الى ما وراء الباب. أدلف الى الداخل ..فى الداخل لا يوجد الضباب .. الرؤية واضحة للغاية, اتأمل الغرفة  العجيبة ذات الاسم العجيب ...قطع أثاث ملقاة بعدم اعتناء فى كل مكان .. .كتب كثيرة و قبور قليلة فى أطراف الغرفة , فصل دراسى فى الركن الأقصى من الغرفة و مدرج جامعى على يسارى , مسجد و شيخ على يمينى و أمامى ملعباً لكرة القدم, مقهى يحتل منتصف المكان العديد و العديد من التفاصيل التى من المستحيل أن تجتمع فى مكان بهذا الحجم ابداً ..
ما هذا ؟ ؟
اننى أعرف كل هذة الأشياء .. هذا هو فصلى و ذلك الشيخ هو جدى ....هذا القبر لعمتى و الاخر لزميلة دراستى .. انها غرفة ذكرياتى أنا ...
أغلق الباب من خلفى حتى لا يدخل الضباب فأجد ورقة معلقة خلف الباب تماماً كما فى أى غرفة فى فندق محترم.
أقترب لأقرأ الخط الصغير, مكتوب على الورقة ( تعليمات  زيارة غرفة الذاكرة)
اولاً: وقت الزيارة: لا يجوز البقاء فى غرفة الذاكرة لأكثر من ساعة واحدة و عند سماع تنبيه المغادرة لابد و أن تغادر الغرفة فوراً و تغلق الباب خلفك بالمفتاح حرصاً على عدم ضياع الذكريات.
ثانياً : قاعدة الأمان: لا يجوز اطلاقاً نقل اى شىء من غرفة الذاكرة الى خارج الغرفة كما لا يجوز العبث بمحتويات الغرفة او محاولة اتلافها حرصاً على سلامتكم
ثالثاً : قاعدة الخصوصية : اذا كانت هذة الغرفة لا تخصك فمن فضلك أخرج منها الان حرصاً على خصوصية ذكريات صاحبها و تخيل نفسك مكانه و أحد بداخل غرفة ذاكرتك يعبث.
رابعاً: قاعدة المسئولية : مقتنياتكم الثمينة و غير الثمينة مسئوليتكم الشخصية, فى حالة ضياع اى من متعلقاتكم فان الغرفة غير مسئولة عنها لأنها حينئذ سوف تصبح جزءاً من الماضى و الذكريات و لن تتمكن من استعادتها فى أرض الواقع.
نتمنى لكم زيارة ممتعة و الاستمتاع بغرفة الذاكرة.

انهيت قراءة التعليمات و قررت الانصياع لها ووقفت و أسندت ظهرى للباب و أنا حائر من أين أبدأ ؟
توجهت ناحية الفصل الدراسى الساكن فما ان اقتربت حتى بدأ الفصل الساكن يتحرك , ها هو أنا و معى زملاء الدراسة نواصل مضايقتنا اللا محدودة للمدرسين فى المدرسة, ها هن زميلات الفصل يضحكن من أفعالنا الشيطانية , ها هى الفتاة التى يرغب معظم تلامذة الفصل من التقرب اليها , انها النموذج المعتاد الشعر الأصفر و العيون الخضر و الثقة بالنفس, الحمد لله لست من كتيبة المعجبين بها.
لابد الا أضيع وقتى فى الفصل فقط فالساعة تقول أن أكثر من ثلث الساعة قد مضى و أنا أراقب الفصل و من قبلها طبعاً وقتاً ضائعاً فى قراءاة ورقة التعليمات.
أتحرك ناحية الكتب و أبدأ التقليب, يوجد الكثير و الكثير من الكتب بدءأ من مجلدات ميكى و حتى المجلدات الضخمة للدكتور المسيرى , روايات كثيرة و كتب أكثر, دواووين شعر و قصص و غيرها . أتصفح بعض الكتب أجد صفحات موجودة و أخرى ممسوحة , يوجد كتب لا أمتلكها الان وأرغب فى قرائتها أو على الأقل تصفحها لكن لا يوجد وقت  , على أن أواصل الرحلة قبل انتهاء الساعة .
أتحرك بسرعة باتجاه المدرج الجامعى, تبدأ الحياة فيه بالتحرك بمجرد اقترابى كأننى قد ضغطت على زر التشغيل, ضجة عارمة تنبعث من المدرج و أرانى و أنا أعطى ظهرى للمحاضرة و انهمك مع فتاة نائمة بجوارى فى حديث هامس و أنا احتضن خصرها من تحت المدرج. أتذكر تلك الأيام فأضحك و أنظر فى الساعة فأجد أن الساعة تبقى منها فقط عشر دقائق, أذهب لزيارة القبور و أقرأ الفاتحة لكل موتاى و أمر ببقية الغرفة سريعاً , أشاهد نفسى رضيعاً و طفلاً و مراهقاً و شاباً و أجد نفسى أقود سيارتى متجهاً الى الساحل الشمالى , ما هذا انها لقطة هذا الصباح ؟ هل صارت من الذاكرة ؟؟!!
أود أن أصحب بعض الأشياء معى من الغرفة و لكننى أتذكر التعليمات فأتراجع عن الفكرة.
تنبيه المغادرة يرن قوياً فى الغرفة فأخرج منها و ببطء أغلق الباب بالمفتاح جيداً حرصاً على ذكرياتى.
أتلفت فأجد الضباب قد انقشع و أصبح الطريق جلياً , أشاهد سيارتى ليست بعيدة كما توقعت.
أذهب اليها و أدخل أدير المحرك و أنطلق باتجاه الساحل الشمالى فى أجازة طويلة.
أنظر أمامى الى الباب فلا أجده و كأنه لم يكن له وجود ابداً