5/08/2011

دولة القانون هى الحل

ترددت كثيراً قبل الكتابة عن هذا الموضوع الشائك و أخشى أن يتهمنى البعض بمحاباة طرف على حساب طرف اخر و لكننى- و يشهد الله على ما فى قلبى – أتحدث بمنتهى الأمانة و الموضوعية بعيداً عن اى انحيازات.
ان ما يحدث حالياً فى مصر من أحداث يطلق عليها الفتنة الطائفية هو أمر طبيعى و متوقع و أنا لا أجد سبباً للربط بين تلك الأحداث و بين الثورة فتلك الفتنة هى نتاج أكثر من ثلاثين عاماً من الجهل و الفقر و غياب الدور المعتدل للمؤسسات الدينية و الاعتماد على الثقافة السمعية فقط و تدوال الأخبار بدلاً من القراءة و البحث.
فالمسلمون يعتقدون أن الكنيسة ليست داراً للعبادة مثلها مثل المسجد و انما هى ترسانة حربية تحتوى على أدوار سفلية من الأسلحة الفتاكة و غرف للنمور و الأسود و الحيونات المفترسة لعقاب المتحولين للاسلام أو الخارجين على العقيدة المسيحية.
و على الجانب الاخر فان المسيحين يظنوا أن المسلمين هم كائنات دموية عنيفة ما أن يصلوا للسلطة حتى يفرضوا الجزية و يحرقون المسيحيات بماء النار  و يهدمون الكنائس ليصلوا على أنقاضها .
و الحقيقة ان نظرة كل فريق الى الاخر تدعو للضحك من فرط المبالغة و لكنها أيضاً تدعو للأسى عندما تعلم أن معظم الفريقان يصدقون هذا الكلام الفارغ و لو كلف اى من الفريقين نفسه بالقراءة عن الدين الاخر لوجد الأمر مختلفاً تماماً فرسالة المسيح كانت الحب و السلام و كان – عليه السلام – متسامحاً الى درجة لا يمكن تصورها و له العديد من الأقاويل التى تؤكد هذا و لكن المجال لا يتسع لذكرها كما أن الاسلام دين حق و عدل و محمد عليه الصلاة و السلام يقول" من اذى ذمياً فقد اذانى" فهل يقبل مسلم عاقل أن يؤذى رسوله!!.

ان الأزمة ليست وليدة الأمس و للأمانة فهى ليست وليدة عصر مبارك ايضاً و لكنها بدأت قبل هذا , بدأت – و أرجو الا يغضب منى أحد- عندما بدأ تهميش المسيحين فى المجتمع المصرى و حرمانهم من المناصب العليا سواء فى الحكومة أو فى غيرها فلجأ المسيحيون – و أرجو ايضاً الا يغضب منى أحد – الى انشاء دولتهم الخاصة فى الكنيسة و من هنا بدأت الفجوة و من ثم ازدادت اتساعاً بدخول أمن الدولة طرفاً أصيلاً فى اللعبة و مع ازدياد التدين الشكلى – فى الطرفين – و البعد عن الجوهر الدينى فمن المعروف ان الايمان محله القلب و لكن فى مصر أصبح الايمان محله اللحية الطويلة و الجلباب القصير و على الجانب الاخر أصبح المسيحيون يتعمدون ابراز الهوية المسيحية و كأنها حرب باردة.
كل هذا كان موجوداً قبل الثورة و سيظل موجوداً بعدها لأن الدولة – حكومة و شعباً – تتعامل مع هذة الأزمة عن طريق التجاهل و انشاد الشعارات مثل الهلال مع الصليب و الدين لله و الوطن للجميع و يظل المرض موجوداً انما نحن فقط ندفنه فى الرمال الا أن يجىء من ينفض تلك الرمال فيظهر المرض من جديد.
حقيقة لا أصدق أن مسلماً حقاً يمكن أن يهدم كنيسة أو أن يعتدى على مسيحى امن يؤدى صلاته فى سكينة كما أننى لا أصدق أن مسيحياً مصرياً حقيقياُ يمكن أن يطالب بتنظيم مظاهرة أمام السفارة الأمريكية مطالبة اياها التدخل و وضع مصر تحت الحماية الدولية.
و أنا أطلب من كل اصدقائى المسيحين الا يشتركوا فى هذة المهزلة ان كانوا يحبون مصر حقاً و ان كان لابد من تلك الوقفة فلتكن أمام مجلس الوزراء او امام وزارة الدفاع اما أن تكون أمام السفارة الأمريكية فمن المؤكد أن يداً خارجية وراء هذا.
ما الحل؟ الكل – أعنى كل العقلاء لا المرضى- يتسائلون ما الحل؟
الحل يا سادة هو دولة القانون و دولة القانون تعنى أن من يخطىء يعاقب – مسلماً أو مسيحياً أو حتى كافر – و من يعتدى عليه يأخذ حقه بالقانون – ان كان له حق- اما ان كان مدعياً بالباطل فليعاقب بتهمة اثارة الفتنة.
الحل ليس فى شيخ يذهب مع قس لتهدئة الناس و وأد الفتنة فهذا مسكن و ليس علاج , الحل فى تغيير الثقافة , فى انهاء اقصاء المسيحين من المجتمع المصرى فى أن تعود الكنيسة دار عبادة مقدس له كل الاحترام و لكنه ليس بديلاً عن الدولة و ليس دولة داخل الدولة.
الحل فى الدولة المدنية التى يسود فيها القانون لا شريعة الغاب.
دولة القانون هى الحل..


No comments:

Post a Comment