7/26/2011

من أجل الحفاظ على الثورة

أعلم مسبقأ قبل أن أخط حرفاً واحداً فى  هذا المقال أن الكثير من الأصدقاء سيختلفون معى فى الرأى و خصوصاً أصدقائى الثوريين الموجودين فى التحرير و غيرهم اما من لا يعرفنى فحتماً سيتهمنى بالعمالة للمجلس العسكرى و بأننى من فلول الحزب الوطنى و أمن الدولة و أعداء الثورة.
فالفكرة التى أود مناقشتها هنا هى فكرة قد تبدو ظاهرياً غير ثورية و لكنها فى حقيقة الأمر هى فكرة هدفها خدمة الثورة التى بدأت تتراجع بشدة نتيجة لممارسات متهورة من المجلس العسكرى و من المتظاهرين على السواء و كذلك للطبيعة الغير ثورية التى يتمتع بها الشعب المصرى و التى تجعله ينشد الاستقرار حتى لو فى القاع كما كان الحال قبل مبارك.
مما لا شك فيه و مما لا يحتمل النقاش او التأويل أن المجلس العسكرى أخطأ باتهام حركة 6 أبريل بالعمالة للخارج دون أن يقدم أى دليل على ذلك و استغل لواءات المجلس قلة ثقافة العديد من المصريين و ثقتهم العمياء فى المؤسسة العسكرية لتشويه الحركة التى دقت المسمار الثانى فى نعش حكم مبارك – بعد حركة كفاية- و قادت اضرابات المحلة و القاهرة عام 2008 بنجاح منقطع النظير و كانت من اوائل الجهات الداعية لمظاهرات الخامس و العشرين من يناير و لكن لأن هناك من لا يعرف تلك المعلومات فقد صدق على الفور الاتهامات و بالطبع كان هناك من يعرف حقيقة 6 أبريل فانبرى للدفاع عنها و انقسم الناس الى نصفين- كما أراد المجلس العسكرى-بعد أن كان الجميع ملتف حول محاكمة مبارك و أركان نظامه , صار الأهم هل 6 ابريل حركة صربية أم مصرية ؟
الحقيقة أن فكرة المسيرة الى وزارة الدفاع لم تكن موفقة و شخصياً توقعت كارثة من وراء تلك المسيرة, كذلك اغلاق المجمع كانت فكرة غير موفقة ايضاً و الحمد لله فقد استجاب الثوار لصوت العقل و فتحوا المجمع و لكن ما أريد أن أقوله هو أن فئة كبيرة من جموع الشعب بدأت تفقد التعاطف مع الثوار بسبب التشويه المتعمد لكل ما هو ثورى من قبل الاعلام المصرى و المجلس العسكرى بالاضافة الى "التهور " الثورى المصاحب لتصرفات الثوار مؤخراً.
اعتقد أنه صار من الواجب الان الانسحاب من ميدان التحرير و فض الاعتصام و تغيير الأولويات فمن الواضح أن المجلس لن يستجيب لمطالب الثورة كما أن فقدان تعاطف الأغلبية الأقل ثقافة مع الثوار هو أخطر ما يهدد الثورة و يجب على الثوار الان أن يغيروا من هدفهم و استراتيجيتهم نحو هذا الهدف, فلنترك المحاكمات و تطهير الداخلية الى الرئيس المنتخب او الى مجلس الشعب المنتخب و لنعمل الان على  التركيز على الانتخابات, على حشد الأصوات , على كسب تعاطف المواطن البسيط فى مختلف المحافظات بطرح برامج انتخابية تلائم احتياجاته و العمل على التقرب اليه بكافة الأشكال و لا مانع ابداً من التعلم من الاخوان المسلمين الذين ينظمون معرضاً للسلع الاستهلاكية و يسيطرون على أسعار أنابيب البوتاجاز فى المناطق الشعبية فهم يصلون الى المواطن مباشرة و ليس عبر مناير اعلامية فللأسف الشديد غالبية الشعب المصرى لا يتابع اى وسيلة اعلام و يعتمد فى معلوماته على ما يسمعه و يراه فقط.
فلنترك الاعتصام و التظاهر و لتسقط حجة كل من يكرهون الثورة بفتح الميادين- و كأنهم يومياً يمرون من الميدان المغلق!- و لنذهب الى الشعب المصرى لنرى ماذا يريد و ما هى مشاكله و نعمل على حلها و لنضغط من أجل تفعيل قانون الغدر و من منع أعضاء الحزب الوطنى من الترشح فى الانتخابات القادمة, فلنتحالف مع الاخوان و غيرهم من القوى المنظمة من أجل تجنيب المواطن البسيط المعاناة فى المستقبل, فلنعمل أكثر على التوعية بالانتخابات و قانونها الجديد و لنتواصل مع كل المواطنين و نحذرهم من مغبة بيع الأصوات فى الانتخابات.
أعتقد أن هذة الأولويات أهم حالياً من الاعتصام و التظاهر – الذى يتطلب مجهوداً بدنياً و نفسياً جباراً- خصوصاً فى ظل ارتفاع درجة الحرارة و طول مدة الاعتصام-, فلننظم أنفسنا كما فى الميدان و لكن خارجه و لنتوجه الى الشعب قبل أن يكتمل سيناريو المجلس العسكرى فيلهينا فى الانقسام و الاعتصام و التظاهر و نفيق على مجلس شعب منتخب يمتلك الشرعية مكون من أعضاء سابقين فى الحزب الوطنى و أعضاء فى جماعة الاخوان المسلمين بالاضافة الى كبار التجار و أبناء العائلات الكبيرة.
و عندها لن يكون فى مقدورنا حتى التظاهر و سنجلس نشاهد هؤلاء و هم يكتبون دستورنا الجديد و لن نملك حتى حق الاعتراض و الا سنتهم بالقفز على الشرعية.
نداء الى ثوار مصر الشرفاء: اتركوا الميدان و هيا الى طريق البرلمان.


7/13/2011

السجينة

ساعة مبكرة جداً من صباح احدى أيام الربيع و الجو –حقاً –بديع, فالشمس لم تشرق بعد و نسمة لطيفة من الهواء تجرى فى الجو غير مسرعة , رائحة الزهور المتفتحة تملأ المكان , و أصوات تغريد الطيور لا تتوقف منذ أن بدأ النور فى الظهور..الليل يذهب الى سبات عميق و النهار يستعد للاستيقاظ مبكراً كعادته التى لم يخلفها ابداً , القمر ما زال يتوسط السماء مبتسماً ابتسامة منهكة من جراء عمله طوال الليل و يتثائب استعداداً للذهاب للنوم هو الاخر.
الكل فى انتظار اطلالة الشمس لتضفى على العالم مزيداً من الدفء و النور كما عودتنا.
يركب سيارته و يدير المحرك , ينبعث صوت موسيقى هادئة من المسجل و لكنه يغير الأغنية و يبحث عن موسيقى أو أغنية تتلائم مع وقت ما بين الفجر و الشروق, يعثر على المقطوعة الموسيقية المناسبة, ها هو المحرك قد أصبح أكثر سخونة فينطلق بسيارته على مهل فى شوارع القاهرة الخالية الا من بعض التلاميذ المنتظرين لسيارة المدرسة و بعض المواطنين الكادحين الذين يستعدون للذهاب الى السعى من أجل الرزق,
ينظر فى ساعته , انها السادسة و الثلث, يتوقف أمام البوابة مباشرة و يترجل من السيارة ,يفتح شنطة السيارة و يخرج حقيبة كبيرة يحملها على كتفه فى نشاط متجهاً الى البوابة , يلقى تحية الصباح على رجل الأمن المسكين الذى أوشكت ورديته على الانتهاء  و يدلف الى الداخل.
يمر على الحدائق الغناء و يستمتع برائحة الياسمين النفاذة الذى يملأ المكان.
يصل الى مكانه المفضل فى طرف الحديقة و يجلس , يأتى اليه النادل فيطلب منه قهوة و زجاجة مياة و بعد انصراف النادل يخرج لوحته من الحقيبة الكبيرة التى يحملها و يفردها أمامه و ينظر اليها, لقد أوشكت اللوحة على الانتهاء ,
يبتسم راضياً عن عمله و يحرص على ضبط اللوحة فى مواجهة شجرة الكافور الضخمة التى يستظل بها حتى لا يراها أحد الا هو و ينتظر قدومها.
ما زال على موعدها أكثرمن ربع ساعة , يأتى النادل بالقهوة و الماء فيجلس فى صمت تام يرشف القهوة و ينظر فى ساعته كل دقيقة بانتظار قدومها.
انه اليوم العاشر على التوالى الذى يأتى فيه الى النادى فى هذا الوقت المبكر جداً و لكن اليوم هو أكثرهم تبكيراً.
منذ أن أتى فى المرة الأولى و لمحها و هى تجلس فى الحديقة و قد خطفته تماماَ , شدته ملابسها الزاهية الألوان و شده شعرها الأسود الطويل الذى ينسدل فوق كتفيها فى نعومة و سلاسة, أعجب باستدارة وجهها و بعينيها السوداوتين اللتان تشعان سحراً و جاذبية.
منذ ذلك اليوم و هو يحرص على أن يأتى فى ميعادها فى تمام السابعة صباحاً ليجلس فى هذا المكان حيث يتمكن أن يراها جيداً ثم قرر فى اليوم الثالث أن يرسمها و اختار هذا الوضع حتى لا تلاحظ هى و لا يلاحظ أحد ممن فى النادى ما يرسمه.
يرشف رشفة أخرى من فنجان القهوة و يتذكر اليوم الخامس عندما تلاقت عيناهما فابتسم سريعاً ليدارى الاحراج و ردت هى بابتسامة مشرقة جميلة شجعته على أن يفتح ابتسامته أكثر فبدا كالأبله , دقائق و تلاقت عيناهما مرة أخرى فابتسم مجدداً و أشاحت هى بوجهها ضاحكة بلا صوت.
كانت الاشارة أن يتقدم و لكنه لم يفعل, ظل ثابتاً فى مكانه يواصل رسمها حتى ترحل فيرحل بعدها على وعد صامت بلقاء فى الغد.
صارت العادة أن يتبادلا التحية فى كل صباح بابتسامة و هزة رأس و كان يعمل بهمة فى لوحتها حتى أنه أوشك على الانتهاء منها فى وقت قياسى.
اليوم حضر مبكراً أكثر لأنه ينوى أن يكون اليوم مختلفاً فهو لن يكتفى بالابتسامة و هزة الرأس, اليوم سينهى لوحته و سيقدمها لها هدية و سيتعرف عليها .
اليوم ليس كالأيام السابقة , اليوم سينقل جلسته الى جوارها و هو واثق أنها لن تمانع.
نظراتها و ابتسامتها تقول أنها لن تمانع.
لقد قرر أن ينسى كل شىء و يتقدم بلا تردد و لا خوف.
نظر الى ساعته فوجدها السابعة تماماً, ستدخل الان. ........
مر الوقت و لكنها لم تدخل ...لم تتأخر و لا مرة فى الأيام السابقة, ماذا حدث اليوم ؟
طلب من النادل قهوة أخرى و أخذ يحول بصره فى عصبية و عبثية بين الساعة و مدخل الحديقة.
السابعة و الربع ..النادل يأتى بالقهوة ..يلومه بخشونة على التأخير- تـأخيرالقهوة بالطبع- فيذهل النادل من التصرف الغير متوقع و يعتذر فى ارتباك و ينصرف.
السابعة و النصف ....صارت الحياة جحيماً ...لابد و أن يعرف أين هى الان و لماذا لم تأت ...أصبح متوتراً لأقصى درجة ثم هدأ قليلاً و استغفر ربه و دعاه أن تأتى الان و الا يكون مكروهاً قد أصابها....تمر الدقائق فيعود توتره أقوى من الأول.
الثامنة الا ربع ....يقوم منفعلاً من مكانه متجهاً الى بوابة النادى, يذرع الطريق جيئة و ذهاباً أكثر من مرة و يتصبب عرقاً من التوتر و من الحركة بعصبية ثم يعود للجلوس مكانه مرة أخرى.
الثامنة تماماً ....يفكر فى الانصراف حتى لا يتأخر على عمله ثم يتراجع عن الفكرة و يقرر البقاء, يطلب قهوة ثالثة و يحاول الاسترخاء و الكف عن التفكير فى الأمر.
الثامنة و ثمان دقائق بالضبط ....ها هى ..يراها قادمة من مدخل الحديقة ..ترتدى بلوزة بيضاء و جوب سوداء طويلة و فضفاضة ووشاحاً أسود فى أبيض ..شعرها تحركه نسمات الهمواء و ابتسامة وجهها أكثر اشراقاً من كل يوم. و لكن هناك تغيير اليوم فالخادمة التى ترافقها كل صباح لا ترافقها اليوم بل يرافقها رجل, رجل طويل القامة  ووسيم..وجهه مبتسم وملابسه أنيقة للغاية ولغة جسدهما تقول أنهما فى علاقة حب.
ها هوالرجل يسحب كرسياً لنفسه و يجلس أمامها على مسافة قريبة جداً , يمسك يدها ويهمس لها بكلام لا يسمعه سواهما.
يبدو أن الفتاة  السجينة على وشك التحرر من سجنها للأبد ويبدو ايضاً أنها ليست من نصيب صديقنا.
من الواضح أنها عثرت على الشخص الذى يرضى بها و يحبها رغم ما بها , ملامحه تقول أنه يحبها حقاً و لم يهمه اى شىء اخر.
يحدق فيهما مدهوشاً لفترة ثم يوقن أنه لا جدوى من البقاء, صامتاً حزيناً يقوم من مكانه و يمر من أمامهما فيسمع ضحكاتهما ممزوجة معاً فتخرج كأنها صوت واحد, يبدو أنها لا تراه اصلاً أو تتظاهر بذلك ,ينظر اليها نظرة أخيرة و هو  يحمل لوحته فى يد و الشنطة الفارغة فى يد أخرى.
يخرج من باب النادى ويركب سيارته و فى المقعد بجواره لوحة ...
لوحة لفتاة جميلة فاتنة تجلس على كرسى متحرك وتقرأ كتاباً .
*************************************************************




7/12/2011

عيناه

 عيناه تمتلكان القوة و السيطرة , تخترق جسدك اذا نظراليه, تعريك من ملابسك , تشعر أنه ينظر اليك كما ولدتك أمك و لما ينظر الى عينيك مباشرة فانك لن تقدر على المواجهة , ستهرب بعينيك بعيداً عن مواجهة نظراته. انه يعلم ما فعلته ..نظرته تقول أنه يطلع على أدق أسرارك, هل تعلم السر الذى لا يعلمه فى الدنيا سواك ؟ انه يعلمه..عيناه تقول هذا ..ينظر اليك و يبتسم فى سخرية ..انه يعلم ما فعلته مع الخادمة فى المساء يا هذا ..ينظر اليكى و يرفع طرف شفته العليا مستهزءاً و عيناه تقول أنه يعلم بأمر القبلة التى تلقيتها من زميل الدراسة فى سيارته منذ أيام.
لا تخفى عليه خافية , هكذا تقول عيناه ... كل منا له سر دفين لا يعلمه أحد على الاطلاق و لكنه هو يعلمه , عيناه تقول أنه يعلمه , حذار من اغضابه ,حذار من تحديه , لا قبل لنا بمواجهة عينيه , لن تصمد,لا تظن نفسك شجاعاً , ستنهار أمامه باكياً و ستتوسل اليه الا يفضح سرك و ستكون خادمه للأبد أو بالأحرى خادماً لعينيه.
النصيحة الأفضل هى الا تتعامل معه اطلاقاً فهو سريع الغضب, لا يحب المزاح , لا يحب الأسئلة, لا يحب الكلام, لا يحب الطعام , لا يحب الناس , لا يحب اى شىء, اتركه و شأنه كى لا تلقى مصير الاخرين ممن حاولوا أن يتحدوه  ففقدوا رشدهم ولم يعودوا كما كانوا.
التغيرات الجذرية قد تحدث فى لحظة , فى لحظة واحدة فى مواجهة عينيه ستفقد شخصيتك الأولى و ستتحول الى خانع و خاضع و ذليل و للأبد.
كل من تحدوه مرة , صاروا يخشونه أكثر من الأول بل صاروا يخشون كل شىء أكثر من الأول , صاروا أمامه أشباحاً لا تقوى على الكلام أو على الفعل, و فى غيابه كائنات مرتعشة سارحة فى عوالم بعيدة.
هل رأيته يمشى من قبل ببطأه المعهود؟ هل رأيت ملابسه الرثة و شعره المنكوش و رائحته المقززة؟ هل رأيت قامته القصيرة و جسده النحيل الذى يغرى الاخرين بالسخرية منه ؟ هل رأيت جلسته فى مكانه الأبدى الذى لا يتحرك منه يقبع كالتمثال لساعات و ساعات يقوم بأفعال غريبة؟ اذا كنت رأيتهم فلا جدوى من الحديث معك فلقد سبق السيف العزل و ان كنت لم تراهم بعد فمن الأفضل و الأسلم الا تراهم.
هل تلقيت تحذيرات أخرى بعدم الاقتراب منه أو النظر فى عينيه؟
شيئاً ما شرير يسكن عينيه , مخاوفك تسكن عينيه اذا شئت الدقة,
 ما هو أكثر شىء تخافه فى هذة الدنيا؟؟
 المرتفعات ؟ سترى نفسك فى عينيه فوق أعلى قمة فى العالم تنظر الى الأرض
الأماكن المغلقة؟ سترى نفسك فى عينيه حبيس صندوق خشبى طوله مثل طولك و عرضه مثل عرضك
الظلام؟ سترى فى عينيه ظلام أسود لا لون له ممتد الى ما لا نهاية.
المرض؟ سترى نفسك فى عينيه مريضاً بأمراض لم يكتشفوها بعد و ليس لها علاج.
صدقنى سترى مخاوفك فى عينيه , لا أدرى هل هو ساحر أم مسحور ؟ هل يمس من يقترب منه أم هو نفسه مسوس ؟ لا أحد يعلم الا الله وحده و هو فقط من نستطيع أن ندعوه أن يجنبنا شره.
هل تراه معى الان بجلبابه الممزق يزحف على الأرض كما الحيوانات و يصدر أصواتاً مخيفة من بين شفتيه ؟ هل حقاً تصدر تلك الأصوات من بين شفتيه؟
سأحاول أن أتعقبه دون أن يرانى , تعال معى لا تخف , سنسير ببطء خلفه و هو يزحف على الأرض,
هل تراه يا صديقى ؟ لقد قام منتصباً و بدأ يسرع فى خطاه , انه يجرى , هيا يا صديقى حتى لا نفقد أثره .أسرع قليلاً ..
انه يدخل الى الحارة الضيقة و نحن وراءه ,يفتح باباً منزوى خلف كومة من الأقفاص, هل تملك الجرأة أن تدخل وراءه ؟ لا تملك ؟ حسناً ..سأدخل أنا وحدى..
غرفة ضيقة جداً , لا يوجد بها اى أثاث, رائحتها عطنة للغاية و يبدو أنه يعيش هنا.الغرفة خالية الا من مجموعة من الأقفاص الخاوية مثل تلك الموجودة بالخارج لتدارى باب الغرفة العتيق.
ها هو يجلس على الأرض ..انه يبكى !! هل تبكى تلك العينان حقاً ؟ علام يبكى ؟
سأقترب أكثر ..انه يمسك بشنطة مدرسية قديمة وممزقة , يفتحها , يخرج كتاباً ..
انه كتاب اللغة العربية الذى درسناه فى المدرسة فى العام السابق و لكنه ممزق و قذر للغاية, انه يقرأ منه؟! لا , انه يمسكه بالمقلوب يبدو أنه يتظاهر بالقراءة و لكنه يخرج صوتا ً متحشرجاً لا معنى له ..أثبت فى وضعى أراقبه و يواصل هو التحديق فى نفس صفحة الكتاب لوقت طويل و يبكى ..يبكى بحرقة و بعنف ثم يضع الكتاب على صدره و ينام على ظهره و يغمض عينيه المرعبتين . لأول مرة فى حياتى أرى شبح ابتسامة فوق وجهه . انه ينام مبتسماً و يبدو أنه يرى أحلاماً سعيدة.
أخرج فى صمت من الباب , أمازلت هنا يا صديقى ؟ لا تخاف. أنا سليم و لم يحدث لى شىء .. لم أكن كالأطفال الذين سبقونى..لن أخشاه بعد الان  و لن أخشى عينيه.
فمن الصعب أن تخشى عينين رأيتهما يبكيان.
******************************************************************

7/11/2011

الصندوق

الصندوق
الشتاء قاس هذا العام , عواصف الرياح القوية الهادرة لا تتوقف و لو للحظة, السماء ملبدة بالغيوم و السحب السوداء تستعد لارسال كل محتوياتها الى الأرض فى اى وقت, فقط هى تتحرك فى انتظار اشارة البدء , الشمس تختفى تماماً من فوق هذة البلدة و تعلن بيتاها الشتوى منذ عدة أيام, الحركة فى الشارع قليلة رغم أننا فى منتصف النهار.
وحده أمام البحر الهائج يجلس منتظراً اللا شىء, يتطلع الى البحر فى لحظات غضبه الغير مسبوقة ويتأمله و هو يقذف بأمواجه بعيداُ الى الشاطىء و يطالع- فى الوقت نفسه- كتاباً قرأه مرات عديدة , من المؤكد أنه كتاب جيد و لكنه ليس أفضل الكتب فأفضل الكتب تلك التى لم نقرأها بعد و أجمل النساء تلك التى لم نراها بعد و أحلى اللحظات تلك التى لم نعشها بعد .
هكذا الانسان دائماً ما يحيى بالأمل فى الأفضل و الا قتل فيه الطموح و صار مجرد شبح انسان أو كما قال نزار قبانى ذكرى انسان , يعزى نفسه بأن الأفضل قادم و لذا فهو يضيع على نفسه فرصة الاستمتاع بالأفضل الحقيقى لأنه عندما يعيش أحلى اللحظات فهو لا يعلم أنها أحلى اللحظات و عندما يحب أفضل النساء لا يراها أفضل النساء و يظل منتظراً للأفضل دون أن يدرك أنه بالفعل يعيش الأفضل و يفقده بينما هو منتظراً الأفضل.
الكل فى حالة انتظار: الشمس نائمة تستريح خلف السحب بانتظار أمر الاشراق , السحب تتحرك بانتظار ارسال المطر , العواصف تعمل بأقصى قدرة بانتظار أن تعود للراحة, هكذا الحياة , انتظار فانتظار فانتظار.
وحده البحر يبدو أنه لا ينتظر شيئاً , هو يروح و يجىء منذ بدء الخليقة و لا يوجد جديد لديه , يستقبل الزوار من البشر و السفن و ينعم بصحبة سكانه من الأسماك و غيرها دون ملل.
عجيب هو البحر , يبدو أنه الوحيد الغير منتظر فى المشهد كله او قد يكون مثله, منتظر اللا شىء, فقط هو جالس فى مكانه بانتظار الحدث الذى لا يعلمه و الذى لم يحدث و يبدو أنه لن يحدث, على الأقل سيحاول أن يكون أكثر أملاً فاذا كان البحر الموجود منذ ملايين السنين لم يفقد الأمل و ما زال منتظراً , اذاً فمن الواجب عليه الا يفقد الأمل هو الموجود فى الدنيا منذ عشرات السنين فقط لا غير.
أضحى المشهد لوحة صماء لا حركة فيها و لا تغيير حتى قطع البحر هذا الصمت بأن قذف صندوقاً تجاه الشاطىء وقع أمامه بالضبط.
لم يحرك ساكناً , فقط نظر الى الصندوق فى لا مبالاة وواصل قراءة الكتاب فى صمت و الصندوق ما زال ملقى أمامه ككلب نائم تحت قدمى صاحبه.
أنهى الفصل الأخير من كتابه فوضعه بجانبه و مد يديه ملتقطاً الصندوق و أخذ يتطلع اليه فى اندهاش, فالصندوق يبدو ثميناً , صحيح أنه ليس كبيراً و لكن ثقل وزنه وزخارفه و كذلك قفله المغلق يعطون له طابعاً مشوقاً مغرياً بفتحه.
هم بفتحه فاذ به يسمع صوت أقدام من خلفه, التفت فوجد امراءة يبدو من مظهرها أنها تكبره بأعوام قليلة و ترتدى معطفاً ثقيلاً من الفرو يلتصق بجسدها و كوفيه متعددة الألوان و يطير شعرها بفعل الرياح من خلفها , ليست جميلة على الاطلاق أو هكذا تبدو للوهلة الأولى , اقتربت منه و استأذنته فى الجلوس بجواره , لم يرد و لكنها جلست بجواره, تطلع اليها بنظرة أكثر تأنياً فاكتشف جمال و استدارة جسدها كما تأكد من أنه من الممكن أن تكون جميلة بعض الشىء او بها جاذبية ما.
طلبت منه الصندوق بأدب فأعطاها اياه , أمسكته بيديها و تطلعت الي الصندوق ثم نظرت اليه و سألته : خمن ماذا يوجد بداخله ؟ , هز رأسه بمعنى أنه لا يعلم فضحكت فى نعومة و اغراء , اكتشف أنها أجمل قليلاُ مما بدت له فى المرة الأولى.
طلبت منه أن يلعبا معاً لعبة مسلية, سيخمن كل منهما ماذا يوجد فى الصندوق و من سيكون تخمينه صحيحاً سيصبح الصندوق ملكاً له.
وافقها مندهشاُ من نفسه لأن الصندوق ملكه فى الأصل و بدأت هى فى التخمين قائلة :
أعتقد أن الصندوق بداخله مقتنيات بحار قديم غرقت سفينته فى الماضى فترك أثمن مقتنايته فى هذا الصندوق مع رسالة وداع لحبيبته مكتوبة بخط مرتعش.
ضحك منها و اتهمها بالرومانسية المفرطة و ذكرهها بأن الفائز فى الرهان سيحصل على ما بداخل الصندوق و لذا فعليها التركيز على أشياء أكثر قيمة و قال لها : أنا أخمن أن ما بداخل الصندوق هو مجموعة من العملات الذهبية و الفضية و بعض النقود الورقية و بعض المصوغات.
ضحكت هى الأخرى و اتهمته بالمادية الشديدة ثم لمعت عيناها دالة على وجود فكرة جديدة فقالت له: أنا و أنت قد خمنا ما بداخل الصندوق و الان ما رأيك أن يقول كل منا للاخر ماذا يتمنى أن يكون بداخل الصندوق و ليس ما يتوقعه؟
وافق سريعاً فالأمر أصبح مسلياً بحق , طلبت منه أن يبدأ هو التمنى فسكت كثيراُ و أخذ يفكر, يا ترى ماذا يتمنى أن يكون بداخل الصندوق, هل يتمنى أن يكون ما خمن بداخله مجوهرات أو نقود؟  أم أنه يتمنى شيئاُ اخر ؟ احتار كثيراُ و فى النهاية أخبرها أنه يتمنى أن يجد بداخل الصندوق صديق.
احمر وجهها خجلاً فقد فهمت ما يرمى اليه بدعابته و أخذت هى الأخرى تفكر لمدة لم تطول كثيراً ثم قالت أنها تتمنى أن يكون ما بداخل الصندوق طفل.
ابتسم لبراءاة أفكارها و لغريزية أمومتها , ثم قررا أن يفتحا الصندوق , طلب منها أن تفتح هى الصندوق و هى طلبت منه أن يقوم هو بفتحه , ثم قررا أن يقوما معاً بفتح الصندوق.
أصدر الله عز وجل اشارته للسحاب فأرسل الى الأرض مطراً غزيراً و ارتفع صوت الرياح و ازداد هياج البحر أكثر و انتقل الكل من حالة الانتظار الأبدى الى حالة الفعل, سريعاُ أمسك بيدها و قد صارت فى نظره أجمل نساء الكون و معاً قاما بسحب قفل الصندوق فانفتح الغطاء الى اخره و نظر كلا منهما نظرة طويلة الى داخل الصندوق ثم تبادلا النظرات معاً و من وراء السحب الممطرة بدأت الشمس تستعد للقيام من غفوتها و ارسال أشعتها اليهما
******************************************************************




7/10/2011

أقوال حزب الكنبة المأسورة

حقيقة لست أدرى من هو العبقرى اصاحب تعبير حزب الكنبة و هو اسم يطلق  على الأغلبية الصامتة فى المجتمع المصرى, تلك التى تتابع الثورة من فوق كنبة و أمام شاشة التليفزيون و هى تحتسى الشاى و لابد طبعاً من بعض التعليقات أثناء المشاهدة للقنوات التى غالباً ما تكون اما التليفزيون المصرى ( الأولى او الفضائية) أو الحياة ( الحمرا) أو مودرن سبورت ( لو صادف اليوم مباراة كرة قدم ) و على الرغم من أن تلك الأغلبية اكتشفت بعد الثورة أن هذة القنوات كانت تكذب و تزيف الحقائق و اكتشف أعضاء حزب الكنبة الموقرين أن من كانوا فى التحرير ليسوا عملاء و لا أجندات و لا اخوان و لا حزب الله و لا ايران الا أنهم ما زالوا يتابعون تلك القنوات فى شغف و يصدقون كل ما يقال بها دون أدنى اعمال للعقل و أنا – للأسف- لست طبيباً نفسياً لأفسر حالة هؤلاء من الناس الذين يسمعون الكذب و هم يعلمون أنه كذب و لكنهم يصدقونه و يفضلون تلك القنوات عن القنوات الأخرى المحترمة كالتحرير و أون تى فى و الجزيرة مباشر.
هذا الحزب أنشأ منذ بداية الثورة فعلياً فى الثامن و العشرين من يناير الحالى و ما زال مستمراً حتى الان و تستطيع أن تتعرف على أعضاء الحزب بسهولة عن طريق أقوالهم ( المأسورة) و ليس ( المأثورة )- مع الاحتفاظ بالحقوق الفكرية لكلمة أقوال( مأسورة ) للشاعر الثورى المناضل أحمد فؤاد نجم – فكل أعضاء الحزب مع أنهم لا يعرفون بعضهم بعضاً الا انهم يشتركون فى الأقوال الاتية:

1-   حرام عليكو البلد خربت


من المؤكد أنك تسمع هذة الجملة كثيراً من أعضاء الحزب و بدون الدخول فى تفاصيل خراب البلد فأنا فقط أريد أن أعرف و ماذا كانت البلد قبل أن تخرب؟ هل كانت جنة الله على الأرض ؟ هل كان معظم المصريين يستطيعون  فقط توفير المأكل و الملبس و المشرب؟ الاجابة : لا , لم يكونوا و رغم ذلك يصر البعض أن ( البلد خربت )!!!


2-   الاقتصاد واقع و السياحة اتضربت و البورصة بتخسر


كل ما يدعو الثوار الى مليونية أو مظاهرة أو حتى وقفة احتجاجية يفاجئك أعضاء الحزب بهذة الجملة و اذا  ما حاولت أن تفهم من أحد الأعضاء أكثر عن الاقتصاد و علاقته بالوقفات و المظاهرات أو عن تأثير صعود و هبوط الأسهم فى البورصة على المواطن المصرى أو سبب تراجع السياحة فانه لن يجيبك ابداً ليس حرصاً على المعلومة- لا سمح الله- و لكن لأنه فعلاً لا يفهم شيئاً لا فى الاقتصاد و لا فى البورصة , هو فقط يردد ما يسمعه من اعلام الفلول.


3-   لازم هيبة الشرطة ترجع

عندما تحدث مواجهات بين أفراد الشرطة و اياً من أبناء الوطن سواء كانت فى الشارع أو فى مباراة كرة قدم أو حتى أمام قسم شرطة حتى ينطلق أعضاء الحزب فى صوت واحد ناطقين بهذة الجملة دون أن يعرفوا اى شىء عن ملابسات الموضوع, و أنا لا أفهم ما هو المقصود بهيبة الشرطة؟ هل تعود الى القمع و القتل و الضرب و السحل و الفلكة و العروسة ( لمن لا يعرف هى أدوات تعذيب شهيرة فى مصر ) , هل يريد هؤلاء أن نجد كل فترة خالد سعيد جديد؟؟ هل هذة هى هيبة الشرطة ؟ أن تسحل المواطنين؟ عندما يتحدث البعض عن عودة الشرطة فانهم للأسف يتحدثون عن عودتها لوضع 24 يناير 2011 و ليس عودتها الى دورها الطبيعى كخادم للشعب.
ان هيبة الشرطة ستعود عندما يقوم رجال الشرطة بواجبهم فى حفظ الأمن و تطبيق القانون و ليس بالقوة و الارهاب يا سادة!!

4-   البلد دى عمرها ما حينصلح حالها,العيب فى الشعب مش فى النظام

جملة مستفزة يرددها أعضاء حزب الكنبة دائماً بعد اى مشكلة حتى لو كانت مشاجرة فى مقهى و هى أكثر الجمل التى تستفزنى من كل ما سبق, فأنا أتفق معهم أن الشعب المصرى به العديد من السلبيات و لكن هل خلق الله المصريين متخلفين و خلق الغربيين متحضرين ؟؟ بالطبع لا فالتخلف و الجهل هما نتاج غياب التعليم و انتشار مثلث الجهل و الفقر و المرض  و المسئول عن انتشار هذا المثلث هو نظام الحكم الأوتوقراطى العسكرى و ليس الموضوع قضاء و قدر و من الممكن طبعاً أن تتحسن أوضاع المصريين اذا تحسن نظام الحكم اما الحديث عن أن (البلد مش حينصلح حالها ابداً ) فهو بالتأكيد دعوة للانتحار الجماعى.


5-   عايزين البلد دى يمسكها واحد جامد يحكمها بايد من حديد


جملة أخرى تؤكد أن الثورة لم تغير ثقافة أبناء حزب الكنبة , فنحن لم نقم بثورة من أجل أن نعود الى حكم الفرد مرة أخرى اياً كان قوى أم ضعيف , نحن بحاجة الى حكم مؤسسات , الى فصل السلطات الثلاثة , الى رقابة على السلطة التنفيذية و لسنا مستعدين الى أن نقع تحت رحمة مزاج شخص ( جامد أو سيس ) , نحن بحاجة لبناء نظم حكم غير أوتوقراطى يا سادة !!

فى النهاية عندما تصادف أحد أعضاء الحزب – و بالتأكيد ستفعل – لا تجادله لأنه لن يقتنع ابداً برأيك و حتى لو اقتنع فهو عنصر غير فعال فى المجتمع , لن يخرج ابداً من مقعد المشاهد الى مقعد الفاعل ( سواء كان مع الثورة او ضدها) , فلا تهدر وقتك و جهدك معه فهو لن يترك الكنبة ابداً ابداً...
******************************************************************

7/07/2011

8 يوليو ..ماذا يخبىء لنا المجلس العسكرى ؟

8 يوليو ( ماذا يخبىء لنا المجلس العسكرى ) ؟؟

أتفهم جيداً أن يزداد الاحتقان الشعبى تجاه بطء محاكمات رموز النظام القديم و قتلة الشهداء من بلطجية الداخلية كما أتفهم ايضاً حالة الحشد الجماهيرى التى يقوم بها ائتلاف شباب الثورة ( الأصلى ) و بعض القوى و الحركات السياسية الشريفة التى تدعو الناس الى النزول يوم 8 يوليو من أجل تصحيح مسار الثورة و المطالبة بتطهير البلاد من النظام القديم ( وليس فلوله) و لكن ما يبدو لى عسيراً على الفهم هو تصرف السلطة الممثلة فى المجلس العسكرى تجاه جمعة 8 يوليو.
ألاحظ- و لعل معى كثيرون مثلى يلاحظون- أن المجلس العسكرى فى تلك المرة ينتهج سياسة مختلفة فى التعامل مع الدعوة للمظاهرات, و بالعودة الى المليونيات السابقة فى 8 أبريل و 27 مايو سنجد أن المجلس العسكرى حاول بشتى الطرق التقليل من الأعداد المتحمسة للنزول عن طريق سياسة المسكنات التى كان يدفع بها المجلس قبل الجمعة بأيام قليلة بالاضافة الى سياسة التخويف التى اتبعها المجلس فى جمعة 27 مايو عن طريق بث شائعات مختلفة بدءاً من مساء الخميس و حتى الجمعة كما تعمد الاعلام المصرى ( تليفزيون و صحف ) أن ينشر أخباراً مضللة عن أعداد المتظاهرين فى الميدان و جاء عنوان صحيفة الأهرام يوم الخميس 26 مايو ( التى ما زالت تتلقى أوامرها من النظام الحاكم ) : جمعة الوقيعة بين الجيش و الشعب و ذلك للحد من تدفق الناس للميدان و لن أتحدث بالطبع عن دور جماعة الاخوان المسلمين فى المحاولة – الفاشلة- لافشال المليونية و اتهام من فى الميدان بأنهم علمانين ( لو كانت العلماينة تهمة ) فهذا ليس وقت تنافر و تناحر.
المهم , المتابع الجيد لسياسة المجلس العسكرى و توابعه ( جرائد و قنوات و ائتلافات وهمية تتحدث باسم الثورة ) سيجد اختلافاً تاماً فى التعامل مع مليونية 8 يوليو فالمجلس هذة المرة لم يلجأ الى سياسة المسكنات بل العكس فلقد لجأ الى سياسة المنشطات-منشطات للثورة طبعاً- فاخلاء سبيل الضباط قتلة المتظاهرين فى كل المحافظات يعقبه براءة الوزراء و المسئولين من تهمة اهدار المال العام يليه تأجيل حركة تنقلات الشرطة من 7 يوليو الى 14 يوليو و استمرار الضباط المكروهين فى أمكانهم.
أضف الى ذلك أن الجرائد الرسمية و القنوات المصرية لا تحاول تهدئة الوضع بل على العكس تقوم بتسخين المجتمع و الحديث عن الشهداء و القصاص و خلافه فعنوان جريدة الأهرام اليوم : ( القوى السياسية تتوحد فى جمعة الثورة اولاً ), ان اسم جمعة الثورة اولاً هو اسم محفز للمواطن البسيط يشعل غضبه كما أن هناك خبر فى نفس الجريدة على لسان وزير الصحة يؤكد أن ( مبارك لا يعانى اى مشكلات صحية), ترى ما هو وقع هذا الخبر على المواطن البسيط الكاره لمبارك ؟
كل هذة المنشطات و المحفزات – بالطبع- ستؤدى الى زيادة اقبال الناس على المظاهرات مع وجود كذلك حالة من الاحتقان لدى الجميع يغزيها متعمداً -على ما أعتقد – المجلس العسكرى.
السؤال هو : ماذا يخبىء لنا المجلس العسكرى فى جمعة 8 يوليو ؟
أنا لا أملك اجابة صريحة عن هذا السؤال و لكن أظن أن هناك مخطط ما لاشعال الأمور و اثارة احتقان و غضب الناس قد يكون هذا تمهيداً لعودة فرض حظر التجوال , قد يكون تمهيداً لتأجيل الانتخابات بدعوى الفوضى و عدم القدرة على السيطرة , قد يكون دعوة لتغذية فكرة المستبد العادل ( بالتأكيد ليس هناك أكثر استبداداً من رجل عسكرى)؟ كلها سيناريوهات واردة..
هل يملك أحد وجهة نظر أخرى ؟
**********************************************************

7/05/2011

الطريق

الطريق يبدو بلا نهاية , أحاول التطلع الى نهايته فلا أراها , فقط هو نفس الخط المستقيم غالباً المعوج أحياناً على اليمين أشجار عالية ظليلة و نخيل طويل,  أرفع رأسى الى أعلى النخيل و الأشجار فلا أرى القمم ابدا ًو لكن المنظر يبهج العين على اى حال و اللون الأخضر منتشر بكثافة على هذا الجانب و روائح أزهار الياسمين و البنفسج تدخل أنفى مدغدغة حاسة الشم, أضرب بعيناى الى جهة اليسار مصوباً نظرات الى أعمدة الانارة التى لا تعمل –كالعادة- بطونها مبقورة كأشلاء جنود  فى حرب طاحنة كاشفة عن أسلاك مكهربة بداخلها ,أسفل الأعمدة توجد مستنقعات طينية و برك سوداء و بنية تنبعث منها رائحة كريهة  و منظرها يبدو مقززاً للعين.
أحاول أن أتلفت خلفى فلا أستطيع , أتضايق من كونى مقيداًُ باتجهات ثلاثة فقط فلا أستطيع الرجوع الى الوراء ابداً , أحاول ثانية و ثالثة فأستشعر الام فى ظهرى من جراء المحاولة ثم أكف عن المحاولة بعد أن نالنى الاعياء , يبدو أنه لا مفر من المضى قدما فى هذا الطريق الذى لم أختاره ابداً و لا أعرف من وضعنى فى أوله و تركنى و مضى؟
من قال أن هذا هو أوله ؟ قد يكون منتصفه أو نهايته , لا أعلم و لن أستطيع أن أعرف فلأكف اذاً عن التفكير و أواصل المسيرة.
أتقدم الى الامام بضع خطوات فأرى على يمينى فتاة جميلة تقلم الأشجار و تصفر فى سعادة,ابتهج لرؤيتها فابتسم لها و أرفع يدى محيياُ فتختفى فى الحال ,
أتلفت الى اليسار فأرى عامل بزى أزرق يبدو و كأنه يصلح شىء ما فى الأرض, لعله يحاول القضاء على برك المجارى الموجودة , أدقق النظر فأكتشف أنه يقلم البرك و يهذبها كما كانت الفتاة تفعل مع الأشجار , أنظر اليه فى حدة متضايقاً من تصرفه فلا يعيرنى التفاتاً يبدو أنه لا يرانى اصلاً, اتجاهله و أمشى فتصيب ظهرى قذيفة طينية عفنة الرائحة , ألتفت اليه فأجده يواصل عمله و ان كانت ارتسمت على شفتيه ابتسامة متشفية , أجرى باتجاهه لأضربه فيختفى فى الحال.
أعاود المسيرة فأجد فى منتصف الطريق سيدة طيبة تندهنى باسمى و تعرض تنظيف ملابسى من الطين فأوافق , تنظف ملابسى فى مهارة و سرعة فأسألها عن الأجر , تدمع عيناها بمجرد سؤالى و تختفى هى الأخرى .
أحزن لاختفاءها قبل أن تحصل على حقها و أواصل المشى , أنظر أمامى فأجد فتاة فى مثل عمرى  جميلة للغاية تبتسم لى فى عذوبة و تخطو ناحيتى, تمسك بياقة قميصى و تسألنى ان كنت أريدها فأتسمر مكانى و لا أرد , تقول لى أنها سوف تصبح ملكى طوال الطريق اذا ما قطفت لها عشرين زهرة من البنفسج, أوافق على العرض و أنظر الى يمينى فلا أجد الا زهور ياسمين و عباد الشمس , أخبرها بهذا فتبصق فى وجهى و تسبنى ببذاءة و تختفى هى الأخرى .
عجباً ! تصرف غير متوقع ! لقد ظننت أنها تريدنى؟ من الواضح أنها تريد الزهور و لست أنا .
ألعنها بصوت عالى و بشتائم متجددة و أصفها بالعهر و الدونية و أطالبها بالظهور و لكنها لا تظهر ثانية فأواصل المسيرة.
على اليسار أجد مجموعة من الرجال و النساء يشربون من المجارى فأجرى مسرعاً لمنعهم من المواصلة , ينظرون الى بعضهم البعض و يتهموننى بالجنون و يضحكون مستهزئين منى , لا أفهم شيئاً فأنظر اليهم فى حيرة و أمشى و أنا أسمعهم يسخرون منى.
 أفقد أعصابى و أركض مسرعاً فى الطريق طمعاً فى الوصول للنهاية فأتعثر و أسقط فى حفرة , يبدو أن هناك سرعة قصوى للسير فى هذا الطريق.
أحاول النهوض فلا أستطيع , لابد أننى بحاجة للمساعدة من أحد, أنادى طلباً للمساعدة فلا أحد يرد , أصرخ منادياً فلا يجيبنى أحد.
أرفع رأسى على السطح فأرى الفتاة التى كانت تقلم الأشجار , أصمت فلا أناديها حتى لا تختفى , يمشى ورائها عامل المجارى الذى قذفنى بالطبع لن أطلب منه المساعدة , من الواضح كذلك أنه يدبر أمراً سيئاً للفتاة , أرى الفتاة تلتفت اليه و تلقى بنفسها فى أحضانه!
المنظر يبدو شاذاً , يحتضنها فى حب و يسيرا معاً  و أنا فى قمة ذهولى.
تمر الفتاة الجميلة التى طلبت منى البنفسج , أطلب منها المساعدة للخروج من الحفرة فتطلب خمسة أزهار من الياسمين مقابل المساعدة . أشتمها و أتهمها بالاستغلال و الابتزاز , تشيح بيدها فى عنف و تغادر المكان مسرعة.
تمر السيدة الطيبة فأطلب منها أن تخرجنى من هنا و سأعطيها ما تريد, تبكى مرة أخرى و تقول أنها لا تريد منى شيئاً و تتركنى و تمشى.
يمر الرجال و النساء الذين كانوا يشربون من المجارى, اسألهم المساعدة فيقيئون ما شربوا فوقى فى الحفرة و يستمرون فى الضحك و ملابسى اتسخت كلها, أتوعدهم بكل سوء عندما أخرج من الحفرة فيضحكون و يمشون.
ألمح طفل فوق الحفرة ينظر الى فى حزن شديد , أسأله عن سبب حزنه فيقول أنه يريد أن يساعدنى و لكنه صغر سنه يمنعه و يعدنى بالمساعدة عندما يكبر, أطلب منه أن يحاول الا يكبر فهذا أفضل, يبتسم و يؤكد أن حلمه الوحيد هو أن يكبر ثم يمشى هو الاخر.
مسكين هذا الطفل, لا يعلم أن أسوأ ما يمكن أن يحدث له هو أن يكبر.
أجلس فى قاع الحفرة بانتظار المساعدة فألمح سلماً على اليمين , كيف لم أراه منذ البداية؟ لقد ركزت فى البحث عن مساعدة الاخرين قبل أن أتأمل المكان أولاً.
أتسلقه فأصعد الى أعلى و أنظر الى الطريق و أنا متعب , متسخ الملابس و يبدو ايضاً أن قدمى قد أصيبت من جراء السقوط فى الحفرة و لكننى لا أملك الا مواصلة الطريق رغم كل شىء.
أسمع أصوات أغانى أو ترانيم من مكان ما و أحاول البحث عن المصدر فلا أجده ثم أواصل المشى فأرى أناس كثيرين مجتمعين فى دائرة يتوسطها منضدة عليها كعكة كبيرة بها شموع و يقف بجوار الكعكة الطفل الذى قابلته و أنا فى الحفرة.
أقترب منهم فأرى الفتاة الجميلة فى أحضان رجل المجارى خارج الدائرة يمارسان الحب تحت أشجار النخيل.
شاربو ماء المجارى يواصلون صب الماء من بركة قذرة على اليسار الى أكواب للجميع,الفتاة طالبة الأزهار تأكل من الكعكة فى نهم و السيدة الطيبة تجلس على الأرض حزينة تردد اسمى ببطء.
افهم من حديثهم أنهم يحتفلون بعيد ميلاد الطفل الذى كبر عاماً فى هذا اليوم.
اللعنة عليك ايها الطفل الغبى, ها أنت تواصل التقدم فى العمر و الاحتفال بذلك كالأبله دون أن تدرى أن ما تفعله فيه تعاستك و شقائك.
تنهمر من عينى دموع حزن على كل شىء و أنظر الى الطريق فلا أجد له نهاية ايضاً فأصاب باليأس و فقدان الأمل و على مقربة منهم جميعاً أرقد و أراقبهم من مكان لا يرونى منه و أحاول أن أنال قسطاً من الراحة قبل أن أكمل الطريق.

****************************************************************