7/04/2011

ثقافة الاختلاف و الثقافة السمعية

من أكثر الثقافات انتشاراً فى الوطن العربى هى ثقافة الاختلاف و لأكون أكثر دقة سأقول هى ثقافة عدم تقبل الاخر و هو ما يبدو واضحاً فى التعامل بين اى فئة و أخرى فى مجتمعاتنا العربية عامة و المجتمع المصرى خاصة وثقافة الاختلاف هى ما ندعوه ( الفتنة الطائفية ) عندما يكون الأمر متعلقاً باختلاف الدين و ما ندعوه ب ( التعصب الكروى ) عندما يكون الأمر متعلقاً باختلاف الفريق الذى نشجعه والأمر لا علاقة له بالانتماء الى الدين او بالانتماء الى فريق ما او بالانتماء الى جنس ما (حين تتحدث سيدة عن المساواة بين الجنسين و حقوق المرأة مثلاً ) ... الأمر ايها السادة متعلق فقط بثقافة عدم تقبل الاخر فمجتمعنا يعتبر المخالف فى الرأى هو بالتأكيد مخطأ لعين كافر شرير لابد من تطهير المجتمع منه , ركزوا معى فى نظرة العديد من المسلمين الى المسيحين ستجدونهم يعتبرونهم كفاراً مشركين لابد من تطهير المجتمع منهم و اخرون –لديهم قصور فكرى- يتحدثون عن الطقوس الجنسية التى تمارس داخل الكنائس!! و عندما تملك بعض المتعصبين منابر اعلامية كنتيجة لحرية ما بعد الثورة  قال أن على المسيحين الهجرة الى كندا و أمريكا فى تصريح مقزز و مستفز.
 على الجانب الاخر يرى الكثير من المسيحيين فى الدين الاسلامى دين رجعى همجى يقتل و يذبح و يسبى بلا توقف و لقد حدثنى ذات مرة صديق مسيحى عن الشريعة الاسلامية فسمعت منه كلاماً عجيباً يدخل فى نطاق الأساطير الغريبة فقد حدثنى عن أن تطبيق الشريعة الاسلامية يعنى قطع الأعضاء التناسلية للرجل فى حالة الزنا!! المدهش فى الأمر أن الرجل مقتنع تماماً بهذا الأمر و قد أخذت وقتاً طويلاً حتى أقنعه بخرف ما يقول و بعده كلياً و جزئياً عن حقيقة الشريعة الاسلامية و الدين الاسلامى.
الأمر نفسه ينطبق على اختلاف الجنس فالرجل يرى فى المرأة انسان غير مكتمل الأهلية (ناقصات عقل و دين ) لابد و أن يقادوا كما النعاج و لا تكون لهن كلمة و لا رأى و لا شخصية مستقلة كذلك المرأة ترى فى الرجل شخص متحكم متسلط لا يكف عن التفكير فى شهواته و نزواته و الخيانة عنده أسهل من اعداد كوب شاى.
الموضوع لا يقتصر على اختلاف الدين أو الجنس بل أن اختلاف الانتمائات السياسية ايضاً يؤدى الى نظرة دونية للاخر فالاخوانى فى نظر الليبرالين هو رجعى مخادع منافق و الليبرالى فى نظر الاخوانين هو علمانى كافر يحارب الدين  و الاشتراكى فى نظر كلاهما هو شيوعى بائد و الكل يكيل التهم للكل و ينتظر سقطاته من أجل التشهير به.
لا أريد أتفه الموضوع و لكن  الأمر نفسه منطبق على الرياضة و كرة القدم فمشجعو الزمالك يعتبرون الأهلى هو فريق الدولة و الكل يعمل من أجل فوزه بالبطولات و على الجانب الاخر يرى مشجعو الأهلى أن الزمالك ليس قطباً و ليس كبيراً و مشجعوه هم حفنة من المرضى النفسيين.
ثقافة عدم احترام الاخر و عدم تقبله متفشية تقريباً فى كل المجالات و اياً كان المختلفين معاً أو وجه الخلاف. ما سبق ذكره واضح للجميع و يستطيع أى مدقق أن يتأكد من صحة رسوخ تلك الثقافة فى الوجدان المصرى و لكن هل يعلم أحد أسباب تلك الظاهرة؟
أعتقد- و الله أعلم – أن تلك الثقافة هى نتاج ثقافة أخرى مترسخة فى الوجدان المصرى هى ثقافة السمع, فالمصرى دائماً ما يستقى معلوماته عن طريق السمع و ليته سمعاً مفيداً فمن المعروف أن وسائل الاعلام المسموعة مصدراً من مصادر المعلومات و لكن ثقافة السمع التى أعنيها هنا  لا علاقة لها بوسائل الاعلام المسموعة و انما لها علاقة بالشائعات و تصديق كل ما يقال أو معظم ما يقال دون أن يكون هناك أى مصدر موثوق منه للمعلومة.
هناك فى مصر شائعات بقوة الحقيقة و المشكك فيها هو بالتأكيد مختل عقلياً مثل : ( الفلسطنيون هم من باعوا أرضهم لليهود) هذة المعلومة يؤمن بها معظم أبناء الشعب المصرى دون سند أو دليل أو حتى مصدر لتلك المعلومة و المعلومة – للعلم – خاطئة بنسبة مائة فى المائة و الا فلماذا قامت حرب فلسطين عام 1948 اذا كان الموضوع قد تم بالتراضى كما يدعى الكاذبون؟
مثال اخر على الشائعات التى لها قوة الحقيقة : ( العدالة الاجتماعية شىء مستحيل , لقد قال الله تعالى " و جعلناكم طبقات " ) !! هذة الاية يؤمن بها معظم المصريين و الحقيقة أن القران كله لا يحتوى على اية تقول ( و جعلناكم طبقات ) و لا حتى شىء بهذا المعنى و لكن ما من أحد يصدقك اذا حاولت التشكيك فى صحة تلك الأكاذيب.
السبب فى ثقافة السمع هو ابتعاد المصريين عن المصادر الحقيقية لتلقى المعلومات مثل الكتب و الصحف و وسائل الاعلام المرئية و المسموعة و اتجهاهم الى حلقات دردشة على القهاوى أو فى المنازل للحصول على معلومات, كم مرة سمعت مجند فى الجيش يحدثك عن أسرار عسكرية و كأن المليون مجند فى الجيش يتم عرض الأسرار العسكرية عليهم فى محاضرة فى مركز التدريب؟؟
كم مرة تحدث معك أحد الذين يدعون العلم ببواطن الأمور – و هم كثيرون جداً جداً - عن أسلحة اسرائيل و أمريكا الفتاكة الجديدة التى ستتمكن من رؤية ما وراء الحائط و التحكم فى درجة حرارة الجو و أشياء من هذا القبيل عرفها أحدهم عن طريق قريبه المقيم فى الولايات المتحدة منذ أعوام و الذى هو على حد قوله ( واصل ).
هل جرب هؤلاء الكارهين للاخر أن يقرأوا عن الاخر قبل مهاجمته ؟ هل جرب المسلمون أن يقرأوا عن حياة المسيح -عليه السلام –  بما تحمله من روائع و معجزات أو عن الطقوس الكنسية و العبادات فى الديانة المسيحية التى تدعو للسلام و المحبة الا درجة غير مسبوقة فى كل الأديان قبل أن يدعوا بما لا يعلمون ؟؟
هل فكر المتعصبون من المسيحيين أن يقرأوا عن حياة الرسول – صلى الله عيه و سلم- و محبته للجميع و أخلاقه و صفاته حتى من قبل الدعوة الاسلامية قبل أن يتهمونه هو و الاسلام بالوحشية و الهمجية؟
الحل للتخلص من عدم احترام الاخر و تقبل ثقافة الاختلاف هو الاعتماد على المصادر الصحيحة للمعلومات لا للثقافة السماعية و عدم الحديث فى موضوع  ما الا بعد  معرفة تامة بكل جوانب الموضوع و جمع قدر كاف من المعلومات المؤكدة لبدء حديث أو حوار أو نقاش حول ذلك الأمر و كذلك العمل بقول الله تعالى " يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوباً و قبائل لتعارفوا " و لككنا للأسف فى العالم العربى و فى مصر تحديداً نتخالف ولا نتعارف.  

No comments:

Post a Comment