7/12/2011

عيناه

 عيناه تمتلكان القوة و السيطرة , تخترق جسدك اذا نظراليه, تعريك من ملابسك , تشعر أنه ينظر اليك كما ولدتك أمك و لما ينظر الى عينيك مباشرة فانك لن تقدر على المواجهة , ستهرب بعينيك بعيداً عن مواجهة نظراته. انه يعلم ما فعلته ..نظرته تقول أنه يطلع على أدق أسرارك, هل تعلم السر الذى لا يعلمه فى الدنيا سواك ؟ انه يعلمه..عيناه تقول هذا ..ينظر اليك و يبتسم فى سخرية ..انه يعلم ما فعلته مع الخادمة فى المساء يا هذا ..ينظر اليكى و يرفع طرف شفته العليا مستهزءاً و عيناه تقول أنه يعلم بأمر القبلة التى تلقيتها من زميل الدراسة فى سيارته منذ أيام.
لا تخفى عليه خافية , هكذا تقول عيناه ... كل منا له سر دفين لا يعلمه أحد على الاطلاق و لكنه هو يعلمه , عيناه تقول أنه يعلمه , حذار من اغضابه ,حذار من تحديه , لا قبل لنا بمواجهة عينيه , لن تصمد,لا تظن نفسك شجاعاً , ستنهار أمامه باكياً و ستتوسل اليه الا يفضح سرك و ستكون خادمه للأبد أو بالأحرى خادماً لعينيه.
النصيحة الأفضل هى الا تتعامل معه اطلاقاً فهو سريع الغضب, لا يحب المزاح , لا يحب الأسئلة, لا يحب الكلام, لا يحب الطعام , لا يحب الناس , لا يحب اى شىء, اتركه و شأنه كى لا تلقى مصير الاخرين ممن حاولوا أن يتحدوه  ففقدوا رشدهم ولم يعودوا كما كانوا.
التغيرات الجذرية قد تحدث فى لحظة , فى لحظة واحدة فى مواجهة عينيه ستفقد شخصيتك الأولى و ستتحول الى خانع و خاضع و ذليل و للأبد.
كل من تحدوه مرة , صاروا يخشونه أكثر من الأول بل صاروا يخشون كل شىء أكثر من الأول , صاروا أمامه أشباحاً لا تقوى على الكلام أو على الفعل, و فى غيابه كائنات مرتعشة سارحة فى عوالم بعيدة.
هل رأيته يمشى من قبل ببطأه المعهود؟ هل رأيت ملابسه الرثة و شعره المنكوش و رائحته المقززة؟ هل رأيت قامته القصيرة و جسده النحيل الذى يغرى الاخرين بالسخرية منه ؟ هل رأيت جلسته فى مكانه الأبدى الذى لا يتحرك منه يقبع كالتمثال لساعات و ساعات يقوم بأفعال غريبة؟ اذا كنت رأيتهم فلا جدوى من الحديث معك فلقد سبق السيف العزل و ان كنت لم تراهم بعد فمن الأفضل و الأسلم الا تراهم.
هل تلقيت تحذيرات أخرى بعدم الاقتراب منه أو النظر فى عينيه؟
شيئاً ما شرير يسكن عينيه , مخاوفك تسكن عينيه اذا شئت الدقة,
 ما هو أكثر شىء تخافه فى هذة الدنيا؟؟
 المرتفعات ؟ سترى نفسك فى عينيه فوق أعلى قمة فى العالم تنظر الى الأرض
الأماكن المغلقة؟ سترى نفسك فى عينيه حبيس صندوق خشبى طوله مثل طولك و عرضه مثل عرضك
الظلام؟ سترى فى عينيه ظلام أسود لا لون له ممتد الى ما لا نهاية.
المرض؟ سترى نفسك فى عينيه مريضاً بأمراض لم يكتشفوها بعد و ليس لها علاج.
صدقنى سترى مخاوفك فى عينيه , لا أدرى هل هو ساحر أم مسحور ؟ هل يمس من يقترب منه أم هو نفسه مسوس ؟ لا أحد يعلم الا الله وحده و هو فقط من نستطيع أن ندعوه أن يجنبنا شره.
هل تراه معى الان بجلبابه الممزق يزحف على الأرض كما الحيوانات و يصدر أصواتاً مخيفة من بين شفتيه ؟ هل حقاً تصدر تلك الأصوات من بين شفتيه؟
سأحاول أن أتعقبه دون أن يرانى , تعال معى لا تخف , سنسير ببطء خلفه و هو يزحف على الأرض,
هل تراه يا صديقى ؟ لقد قام منتصباً و بدأ يسرع فى خطاه , انه يجرى , هيا يا صديقى حتى لا نفقد أثره .أسرع قليلاً ..
انه يدخل الى الحارة الضيقة و نحن وراءه ,يفتح باباً منزوى خلف كومة من الأقفاص, هل تملك الجرأة أن تدخل وراءه ؟ لا تملك ؟ حسناً ..سأدخل أنا وحدى..
غرفة ضيقة جداً , لا يوجد بها اى أثاث, رائحتها عطنة للغاية و يبدو أنه يعيش هنا.الغرفة خالية الا من مجموعة من الأقفاص الخاوية مثل تلك الموجودة بالخارج لتدارى باب الغرفة العتيق.
ها هو يجلس على الأرض ..انه يبكى !! هل تبكى تلك العينان حقاً ؟ علام يبكى ؟
سأقترب أكثر ..انه يمسك بشنطة مدرسية قديمة وممزقة , يفتحها , يخرج كتاباً ..
انه كتاب اللغة العربية الذى درسناه فى المدرسة فى العام السابق و لكنه ممزق و قذر للغاية, انه يقرأ منه؟! لا , انه يمسكه بالمقلوب يبدو أنه يتظاهر بالقراءة و لكنه يخرج صوتا ً متحشرجاً لا معنى له ..أثبت فى وضعى أراقبه و يواصل هو التحديق فى نفس صفحة الكتاب لوقت طويل و يبكى ..يبكى بحرقة و بعنف ثم يضع الكتاب على صدره و ينام على ظهره و يغمض عينيه المرعبتين . لأول مرة فى حياتى أرى شبح ابتسامة فوق وجهه . انه ينام مبتسماً و يبدو أنه يرى أحلاماً سعيدة.
أخرج فى صمت من الباب , أمازلت هنا يا صديقى ؟ لا تخاف. أنا سليم و لم يحدث لى شىء .. لم أكن كالأطفال الذين سبقونى..لن أخشاه بعد الان  و لن أخشى عينيه.
فمن الصعب أن تخشى عينين رأيتهما يبكيان.
******************************************************************

No comments:

Post a Comment