7/05/2011

الطريق

الطريق يبدو بلا نهاية , أحاول التطلع الى نهايته فلا أراها , فقط هو نفس الخط المستقيم غالباً المعوج أحياناً على اليمين أشجار عالية ظليلة و نخيل طويل,  أرفع رأسى الى أعلى النخيل و الأشجار فلا أرى القمم ابدا ًو لكن المنظر يبهج العين على اى حال و اللون الأخضر منتشر بكثافة على هذا الجانب و روائح أزهار الياسمين و البنفسج تدخل أنفى مدغدغة حاسة الشم, أضرب بعيناى الى جهة اليسار مصوباً نظرات الى أعمدة الانارة التى لا تعمل –كالعادة- بطونها مبقورة كأشلاء جنود  فى حرب طاحنة كاشفة عن أسلاك مكهربة بداخلها ,أسفل الأعمدة توجد مستنقعات طينية و برك سوداء و بنية تنبعث منها رائحة كريهة  و منظرها يبدو مقززاً للعين.
أحاول أن أتلفت خلفى فلا أستطيع , أتضايق من كونى مقيداًُ باتجهات ثلاثة فقط فلا أستطيع الرجوع الى الوراء ابداً , أحاول ثانية و ثالثة فأستشعر الام فى ظهرى من جراء المحاولة ثم أكف عن المحاولة بعد أن نالنى الاعياء , يبدو أنه لا مفر من المضى قدما فى هذا الطريق الذى لم أختاره ابداً و لا أعرف من وضعنى فى أوله و تركنى و مضى؟
من قال أن هذا هو أوله ؟ قد يكون منتصفه أو نهايته , لا أعلم و لن أستطيع أن أعرف فلأكف اذاً عن التفكير و أواصل المسيرة.
أتقدم الى الامام بضع خطوات فأرى على يمينى فتاة جميلة تقلم الأشجار و تصفر فى سعادة,ابتهج لرؤيتها فابتسم لها و أرفع يدى محيياُ فتختفى فى الحال ,
أتلفت الى اليسار فأرى عامل بزى أزرق يبدو و كأنه يصلح شىء ما فى الأرض, لعله يحاول القضاء على برك المجارى الموجودة , أدقق النظر فأكتشف أنه يقلم البرك و يهذبها كما كانت الفتاة تفعل مع الأشجار , أنظر اليه فى حدة متضايقاً من تصرفه فلا يعيرنى التفاتاً يبدو أنه لا يرانى اصلاً, اتجاهله و أمشى فتصيب ظهرى قذيفة طينية عفنة الرائحة , ألتفت اليه فأجده يواصل عمله و ان كانت ارتسمت على شفتيه ابتسامة متشفية , أجرى باتجاهه لأضربه فيختفى فى الحال.
أعاود المسيرة فأجد فى منتصف الطريق سيدة طيبة تندهنى باسمى و تعرض تنظيف ملابسى من الطين فأوافق , تنظف ملابسى فى مهارة و سرعة فأسألها عن الأجر , تدمع عيناها بمجرد سؤالى و تختفى هى الأخرى .
أحزن لاختفاءها قبل أن تحصل على حقها و أواصل المشى , أنظر أمامى فأجد فتاة فى مثل عمرى  جميلة للغاية تبتسم لى فى عذوبة و تخطو ناحيتى, تمسك بياقة قميصى و تسألنى ان كنت أريدها فأتسمر مكانى و لا أرد , تقول لى أنها سوف تصبح ملكى طوال الطريق اذا ما قطفت لها عشرين زهرة من البنفسج, أوافق على العرض و أنظر الى يمينى فلا أجد الا زهور ياسمين و عباد الشمس , أخبرها بهذا فتبصق فى وجهى و تسبنى ببذاءة و تختفى هى الأخرى .
عجباً ! تصرف غير متوقع ! لقد ظننت أنها تريدنى؟ من الواضح أنها تريد الزهور و لست أنا .
ألعنها بصوت عالى و بشتائم متجددة و أصفها بالعهر و الدونية و أطالبها بالظهور و لكنها لا تظهر ثانية فأواصل المسيرة.
على اليسار أجد مجموعة من الرجال و النساء يشربون من المجارى فأجرى مسرعاً لمنعهم من المواصلة , ينظرون الى بعضهم البعض و يتهموننى بالجنون و يضحكون مستهزئين منى , لا أفهم شيئاً فأنظر اليهم فى حيرة و أمشى و أنا أسمعهم يسخرون منى.
 أفقد أعصابى و أركض مسرعاً فى الطريق طمعاً فى الوصول للنهاية فأتعثر و أسقط فى حفرة , يبدو أن هناك سرعة قصوى للسير فى هذا الطريق.
أحاول النهوض فلا أستطيع , لابد أننى بحاجة للمساعدة من أحد, أنادى طلباً للمساعدة فلا أحد يرد , أصرخ منادياً فلا يجيبنى أحد.
أرفع رأسى على السطح فأرى الفتاة التى كانت تقلم الأشجار , أصمت فلا أناديها حتى لا تختفى , يمشى ورائها عامل المجارى الذى قذفنى بالطبع لن أطلب منه المساعدة , من الواضح كذلك أنه يدبر أمراً سيئاً للفتاة , أرى الفتاة تلتفت اليه و تلقى بنفسها فى أحضانه!
المنظر يبدو شاذاً , يحتضنها فى حب و يسيرا معاً  و أنا فى قمة ذهولى.
تمر الفتاة الجميلة التى طلبت منى البنفسج , أطلب منها المساعدة للخروج من الحفرة فتطلب خمسة أزهار من الياسمين مقابل المساعدة . أشتمها و أتهمها بالاستغلال و الابتزاز , تشيح بيدها فى عنف و تغادر المكان مسرعة.
تمر السيدة الطيبة فأطلب منها أن تخرجنى من هنا و سأعطيها ما تريد, تبكى مرة أخرى و تقول أنها لا تريد منى شيئاً و تتركنى و تمشى.
يمر الرجال و النساء الذين كانوا يشربون من المجارى, اسألهم المساعدة فيقيئون ما شربوا فوقى فى الحفرة و يستمرون فى الضحك و ملابسى اتسخت كلها, أتوعدهم بكل سوء عندما أخرج من الحفرة فيضحكون و يمشون.
ألمح طفل فوق الحفرة ينظر الى فى حزن شديد , أسأله عن سبب حزنه فيقول أنه يريد أن يساعدنى و لكنه صغر سنه يمنعه و يعدنى بالمساعدة عندما يكبر, أطلب منه أن يحاول الا يكبر فهذا أفضل, يبتسم و يؤكد أن حلمه الوحيد هو أن يكبر ثم يمشى هو الاخر.
مسكين هذا الطفل, لا يعلم أن أسوأ ما يمكن أن يحدث له هو أن يكبر.
أجلس فى قاع الحفرة بانتظار المساعدة فألمح سلماً على اليمين , كيف لم أراه منذ البداية؟ لقد ركزت فى البحث عن مساعدة الاخرين قبل أن أتأمل المكان أولاً.
أتسلقه فأصعد الى أعلى و أنظر الى الطريق و أنا متعب , متسخ الملابس و يبدو ايضاً أن قدمى قد أصيبت من جراء السقوط فى الحفرة و لكننى لا أملك الا مواصلة الطريق رغم كل شىء.
أسمع أصوات أغانى أو ترانيم من مكان ما و أحاول البحث عن المصدر فلا أجده ثم أواصل المشى فأرى أناس كثيرين مجتمعين فى دائرة يتوسطها منضدة عليها كعكة كبيرة بها شموع و يقف بجوار الكعكة الطفل الذى قابلته و أنا فى الحفرة.
أقترب منهم فأرى الفتاة الجميلة فى أحضان رجل المجارى خارج الدائرة يمارسان الحب تحت أشجار النخيل.
شاربو ماء المجارى يواصلون صب الماء من بركة قذرة على اليسار الى أكواب للجميع,الفتاة طالبة الأزهار تأكل من الكعكة فى نهم و السيدة الطيبة تجلس على الأرض حزينة تردد اسمى ببطء.
افهم من حديثهم أنهم يحتفلون بعيد ميلاد الطفل الذى كبر عاماً فى هذا اليوم.
اللعنة عليك ايها الطفل الغبى, ها أنت تواصل التقدم فى العمر و الاحتفال بذلك كالأبله دون أن تدرى أن ما تفعله فيه تعاستك و شقائك.
تنهمر من عينى دموع حزن على كل شىء و أنظر الى الطريق فلا أجد له نهاية ايضاً فأصاب باليأس و فقدان الأمل و على مقربة منهم جميعاً أرقد و أراقبهم من مكان لا يرونى منه و أحاول أن أنال قسطاً من الراحة قبل أن أكمل الطريق.

****************************************************************

No comments:

Post a Comment