9/08/2011

غرفة الذاكرة

الضباب يسود المكان , الرؤية صعبة للغاية, الاستمرار فى القيادة فى وسط هذا الضباب تعنى مخاطرة غير مأمونة العواقب, أتوقف بالسيارة على جانب الطريق و أشعل سيجارة أدخنها فى استمتاع و أفتح النافذة قليلاً ليخرج الدخان منها.
أرجع بالكرسى الى الوراء و أواصل الاسترخاء فى مكانى , يبدو أنه ما زال هناك وقت حتى ينقشع الضباب و توضح الرؤية لأواصل طريقى .
ألقى بالسيجارة من النافذة الى الضباب و أشعر بالرغبة فى النعاس تطاردنى , أغلق عيناى و ترهف حواسى فأسمع صوتاً هامساً ينادينى من بعيد .
أرهف السمع أكثر,  أتأكد أننى المعنى بالنداء.
أفتح باب السيارة و  أترجل منها . الضباب يجعلنى عاجزاً عن أن أرى أمامى فأتحرك ببطء باتجاه الصوت و أفرد يداى أمامى محاذراً من الاصطدام بشىء فى طريقى , يزداد الصوت اقتراباً منى .. أتعثر فى شىء ما , أمد يدى و التقطته , انه مفتاح غريب الشكل . أضعه مكانه مرة أخرى و أواصل التقدم نحو الصوت الذى يخفت , يبدو أننى لست فى الاتجاه الصحيح.
مرهفاً السمع أكثر أعاود تتبع الصوت الذى يزداد قوة , تلمس يدى المبسوطة أمامى  شيئاً ما فيتوقف الصوت تماماً , أتحسسه بيدى و أقترب فأراه من وسط الضباب , انه باب خشبى يحمل لافتة فوقه على ما يبدو , أرفع رأسى لأرى اللافتة فتبدو كلمة واحدة ( الذاكرة ) و الباب نفسه لا يوجد به اى علامات . أدفعه فلا يستجيب.
يبدو انه بحاجة الى مفتاح ....
مفتاح ... نعم ... لابد أن ما عثرت عليه و ألقيته كان مفتاح هذا الباب , أعود أدراجى سالكاً نفس الطريق و سط الضباب محاولاً تذكر أين تركت المفتاح, بعد فترة ليست بالقصيرة و لا بالطويلة من الزحف على الأرض أعثر على المفتاح.
أتنهد فى ارتياح و أحمله و أذهب من الجهة الأخرى بحثاً عن الباب, الصوت قد توقف فأصبحت المهمة أكثر صعوبة , هل كان الباب مصدر الصوت أم ما وراء الباب؟
ها هو الباب ... أدخل المفتاح  فى الباب فيفتح , أدفعه برفق و أدخل الى ما وراء الباب. أدلف الى الداخل ..فى الداخل لا يوجد الضباب .. الرؤية واضحة للغاية, اتأمل الغرفة  العجيبة ذات الاسم العجيب ...قطع أثاث ملقاة بعدم اعتناء فى كل مكان .. .كتب كثيرة و قبور قليلة فى أطراف الغرفة , فصل دراسى فى الركن الأقصى من الغرفة و مدرج جامعى على يسارى , مسجد و شيخ على يمينى و أمامى ملعباً لكرة القدم, مقهى يحتل منتصف المكان العديد و العديد من التفاصيل التى من المستحيل أن تجتمع فى مكان بهذا الحجم ابداً ..
ما هذا ؟ ؟
اننى أعرف كل هذة الأشياء .. هذا هو فصلى و ذلك الشيخ هو جدى ....هذا القبر لعمتى و الاخر لزميلة دراستى .. انها غرفة ذكرياتى أنا ...
أغلق الباب من خلفى حتى لا يدخل الضباب فأجد ورقة معلقة خلف الباب تماماً كما فى أى غرفة فى فندق محترم.
أقترب لأقرأ الخط الصغير, مكتوب على الورقة ( تعليمات  زيارة غرفة الذاكرة)
اولاً: وقت الزيارة: لا يجوز البقاء فى غرفة الذاكرة لأكثر من ساعة واحدة و عند سماع تنبيه المغادرة لابد و أن تغادر الغرفة فوراً و تغلق الباب خلفك بالمفتاح حرصاً على عدم ضياع الذكريات.
ثانياً : قاعدة الأمان: لا يجوز اطلاقاً نقل اى شىء من غرفة الذاكرة الى خارج الغرفة كما لا يجوز العبث بمحتويات الغرفة او محاولة اتلافها حرصاً على سلامتكم
ثالثاً : قاعدة الخصوصية : اذا كانت هذة الغرفة لا تخصك فمن فضلك أخرج منها الان حرصاً على خصوصية ذكريات صاحبها و تخيل نفسك مكانه و أحد بداخل غرفة ذاكرتك يعبث.
رابعاً: قاعدة المسئولية : مقتنياتكم الثمينة و غير الثمينة مسئوليتكم الشخصية, فى حالة ضياع اى من متعلقاتكم فان الغرفة غير مسئولة عنها لأنها حينئذ سوف تصبح جزءاً من الماضى و الذكريات و لن تتمكن من استعادتها فى أرض الواقع.
نتمنى لكم زيارة ممتعة و الاستمتاع بغرفة الذاكرة.

انهيت قراءة التعليمات و قررت الانصياع لها ووقفت و أسندت ظهرى للباب و أنا حائر من أين أبدأ ؟
توجهت ناحية الفصل الدراسى الساكن فما ان اقتربت حتى بدأ الفصل الساكن يتحرك , ها هو أنا و معى زملاء الدراسة نواصل مضايقتنا اللا محدودة للمدرسين فى المدرسة, ها هن زميلات الفصل يضحكن من أفعالنا الشيطانية , ها هى الفتاة التى يرغب معظم تلامذة الفصل من التقرب اليها , انها النموذج المعتاد الشعر الأصفر و العيون الخضر و الثقة بالنفس, الحمد لله لست من كتيبة المعجبين بها.
لابد الا أضيع وقتى فى الفصل فقط فالساعة تقول أن أكثر من ثلث الساعة قد مضى و أنا أراقب الفصل و من قبلها طبعاً وقتاً ضائعاً فى قراءاة ورقة التعليمات.
أتحرك ناحية الكتب و أبدأ التقليب, يوجد الكثير و الكثير من الكتب بدءأ من مجلدات ميكى و حتى المجلدات الضخمة للدكتور المسيرى , روايات كثيرة و كتب أكثر, دواووين شعر و قصص و غيرها . أتصفح بعض الكتب أجد صفحات موجودة و أخرى ممسوحة , يوجد كتب لا أمتلكها الان وأرغب فى قرائتها أو على الأقل تصفحها لكن لا يوجد وقت  , على أن أواصل الرحلة قبل انتهاء الساعة .
أتحرك بسرعة باتجاه المدرج الجامعى, تبدأ الحياة فيه بالتحرك بمجرد اقترابى كأننى قد ضغطت على زر التشغيل, ضجة عارمة تنبعث من المدرج و أرانى و أنا أعطى ظهرى للمحاضرة و انهمك مع فتاة نائمة بجوارى فى حديث هامس و أنا احتضن خصرها من تحت المدرج. أتذكر تلك الأيام فأضحك و أنظر فى الساعة فأجد أن الساعة تبقى منها فقط عشر دقائق, أذهب لزيارة القبور و أقرأ الفاتحة لكل موتاى و أمر ببقية الغرفة سريعاً , أشاهد نفسى رضيعاً و طفلاً و مراهقاً و شاباً و أجد نفسى أقود سيارتى متجهاً الى الساحل الشمالى , ما هذا انها لقطة هذا الصباح ؟ هل صارت من الذاكرة ؟؟!!
أود أن أصحب بعض الأشياء معى من الغرفة و لكننى أتذكر التعليمات فأتراجع عن الفكرة.
تنبيه المغادرة يرن قوياً فى الغرفة فأخرج منها و ببطء أغلق الباب بالمفتاح جيداً حرصاً على ذكرياتى.
أتلفت فأجد الضباب قد انقشع و أصبح الطريق جلياً , أشاهد سيارتى ليست بعيدة كما توقعت.
أذهب اليها و أدخل أدير المحرك و أنطلق باتجاه الساحل الشمالى فى أجازة طويلة.
أنظر أمامى الى الباب فلا أجده و كأنه لم يكن له وجود ابداً

No comments:

Post a Comment