9/08/2011

صور

رشفت رشفة من الشاى الساخن الموضوع بجوارى ووضعت الكوب مرة أخرى على المنضدة , اعددت عدتى و بقيت فى حالة انتظار وعندما حانت منها الالتفاتة المطلوبة ....
معذرة , لم أقدم نفسى اولاً و لا أظن أن هناك من يعرفنى..اسمى خالد شاب فى العشرينيات من عمرى , لا داعى لوصف نفسى على طريقة قمحى اللون طويل قليلاً , متوسط الوزن ما بين البدانة و النحافة فهى لن تسهم على الاطلاق فى التعرف على اذا ما قابلتنى فى حياتك اليومية , و لذا فلتكتفى باسمى و فقط , أعمل مصوراً لحساب احدى الجرائد الخاصة و فى وقت فراغى أعمل مصوراً لحساب نفسى .
أحب مهنتى جداً فالكاميرا بالنسبة لى هى الة الزمن , عندما فكر العلماء فى اختراع الة للعودة الى الماضى لم يطرأً بذهن أحدهم أننا فعلاً نملك هذة الالة, فمن الممكن الان أن تعود طفلاً أو شاباً , أن تسترجع منظراً رأيته أو صحبة لا تتكرر.
كل هذا  صار ممكناً بفضل الكاميرا ... الان اعود لأحكى لكم عن فاتنتى التى قضيت أكثر من ساعة فى تصويرها دون أن تشعر ..كان هذا منذ  وقت طويل و لكننى أحتفظت بالألبوم الخاص بها ضمن أعز ألبوماتى والتى أطالعها بصفة دورية ..وجهها مصرى أصيل , سمرتها تؤكد لكل بنات الغرب أن الجمال المصرى – عندما يكون أصيلاً – لا أحد يقدر على منافسته , شعرها أسود ليلى طويل ينسدل فوق كتفهها و عيونها العسلية تلمع فى وجه الكاميرا و كأنها نجمة سينمائية رغم أن كل تلك الصور تم تصويرها دون أن تعرف.
أعطيتها – اى الفتاة – اسماً لن أقول لكم عليه فهو سر من أسرارى الخاصة و تخيلت حوارات كثيرة دارت ما بيننا فاكتشفت أننا متقاربون فى الكثير و الكثير من الأشياء.
استمرت الحياة على الوتيرة العادية من عمل و تصوير و غير ذلك و مضت الأيام و تزوجت من احدى قريباتى و عشت حياة تقليدية أشبه بحياة معظمكم , عمل فى الصباح ثم العودة الى المنزل, أيام جميلة أحياناً و مشاكل و شجارات فى أحيان أكثر...طفلة صغيرة زادت من أعباء الحياة مادياً و استهلكت معظم أفلام التصوير فى ألبومات يومية خاصة به , كانت زوجتى تكره الكاميرا و تكره التصوير و ترى فيها مضيعة للوقت و خصوصاً أنها كانت من أنصار الا تصبح الهواية عملاً و طالما طلبت منى الدخول فى مشروع تجارى لزيادة الدخل و لكننى دائماً ما كنت أحسم الأمر بقول " لقد خلقنى الله مصوراً و لا أصلح لأى شىء اخر غير ذلك " ..
هكذا كانت حياتى تسير  بشكل نمطى و لكننى لم أنس فتاة الكاميرا ابداً و كنت ما زالت أحرص من حين الى اخر الى الذهاب الى المكان الذى شاهدتها فيه منذ أعوام و لكننى مع مرور الوقت فقدت الأمل فى أن تظهر مرة أخرى.
فى ذات صباح جائنى خطاب من احدى شركات رجل أعمال مشهور يخبرنى فيه أننى قد فزت بالجائزة الأولى للمعرض عن احدى صورى التى نشرت بالجريدة و قيمة الجائزة خمسون ألأف جنيهاً , و فى النهاية مكان و ميعاد حفل تسليم الجوائز.
فرحت جداً بخبر فوز احدى أعمالى بجائزة و فرحت زوجتى جداً بمبلغ الخمسين ألف جنيه و قضت عدة أيام  مسسكة برزمة من الورق و قلم لحساب كيفية استثمار مبلغ الجائزة و أنا تجاهلتها و قررت التركيز فى تصوير الطفلة الصغيرة التى تحمل أحب الأسماء الى قلبى.
فى يوم الحفل, ارتديت بدلة جديدة فلا بأس من قليل من الانفاق فهناك خمسون ألفاً قادمة  فى الطريق و بدا شكلى لأول مرة مقبولاً لدى نفسى, أخبرت زوجتى بأن الحفل مقتصر على شخصىو لا يمكننى أن اصطحبها و هو ما رحبت به هى بعد أن صارت مطيعة جداً منذ أن علمت بخبر الجائزة , قد يكون هذا التزامن بين تغيير معاملتها و فوزى بالجائزة محض صدفة ثم ان بعض الظن اثم, سأعتبر هذا من البعض الاثم و ليس من البعض الاخر.
دلفت الى المكان فوجدت أن الحفل مقام لتكريم العديد من نجوم الأدب و السينما و ما أنا الا نقطة فى بحر المكرمين.
خرجت الى الشرفة لأدخن فرأيت وجهاً أعرفه جيداً , وجهاً قضيت  أكثر من ساعة منذ عدة أعوام فى تصويره خلسة من على بعد ... انطلق لسانى وحده باسمها ...
اسمها الذى سميته لها..التفتت متباغتة و نظرت الى طويلاً و قالت  مبتسمة و لكن اسمى ليس .....
بوغت من المفاجأة فصمت تماماً و كانت هى من قطعت الصمت "..أنت خالد عبد الحق المصور الفائز بجائزة أحسن صورة , أليس كذلك ؟"
ها هى مفأجاة أخرى فهى تعرف اسمى ؟ أجبتها بتلقائية و بسذاجة "و كيف عرفت ؟"
قالت أنها تتابع صورى بشكل ثابت كما أنها رأتنى فى ذات مرة فى الجريدة ..
لا أذكر أن صورتى ظهرت فى الجريدة الا فى مرة واحدة عندما أنجبت ابنتى التى سميتها على اسمها الذى لم يعد اسمها منذ دقائق ..من الواضح أنها متابعة جيدة لى و لصورى .
تابعت قائلة " هل تعلم ؟نظرات الطفلة فى صورتك تستحق جائزة عالمية و ليست فقط جائزة محلية ؟كما أن منظر الخلفية من فرط ملائمته يبدو و كأنه غير حقيقى "
ابتسمت فى بلاهة و لم أرد و استمرت هى تسرد تفاصيل عن صور نشرت لى فى الجريدة ..تفاصيل أنا نفسى لا أذكرها ... وعندما أعلن عن بدأ مراسم الحفل لمحت انزعاجاً فى عينيها و مدت الى يدها للسلام قائلة " فرصة سعيدة جداً يا أستاذ خالد .. سلامى لابنتك ..... بالمناسبة أنا أحب اسمها كثيراً و لكننى لا أفهم كيف تصورتنى هى فى بادئ الأمر , ان فرق العمر بينننا كبير " .. قالتها و ضحكت و تركتنى غارق فى عرقى و حيرتى .
دلفت الى داخل القاعة دون أن أدخن و أخذت أتابع المراسم بعين واحدة بينما العين الأخرى تبحث عنها و جاء دورى لاستلام الجائزة فصعدت الى المنصة و استلمت الجائزة من رجل الأعمال المعروف و بعدها  استسسلمت لعيون المصورين فى بساطة و عيناى تجولان المكان بحثاً عنها و عدت الى مكانى متوتراً و جلست به حتى انتهى الحفل و استعديت لمغادرة المكان فسمعت صوتاً هو صوتها ينادى باسمى , التفت فوجدتها تتأبط ذراع شاب وسيم و قالت " أعرفك يا أستاذ خالد... الفنان الشاب ...الفائز بجائزة أحسن ممثل شاب و زوجى

No comments:

Post a Comment