9/08/2011

ذكرى

الذكرى تعاودنى .انتهى من عملى و الذكرى تملأ رأسى و المشهد لا يفارق شاشة خيالى , مشهد الليلة الموعودة و عيون الناس, نظراتهم الغريبة و لمسات بعضهم الحانية على كتفى فى الظلام.
لا اذكر شيئاً قبل هذة الليلة  التى تعود لتطل من نافذة الماضى بلا انقطاع و باستمرار , أتذكر و أنا أكاد أموت جوعاً و عطشاً و برداً , يحمل البعض الى الماء و يحمل الاخرون الطعام,اكل بشغف و بلهفة البقاء فى الحياة و يرحل الكل و يبقى رجل كبير طاعن فى السن ذو لحية بيضاء , يبتسم ابتسامة حنون و يصحبنى من يدى الى المكان الذى سأقضى فيه فيما بعد سنوات كثيرة من عمرى.
 أفيق من ذكرياتى و أعود الى اللحظة الحالية و اطرد ذكرياتى بالقوة التى اعتدها فهى تهاجمنى فى كل ليلة أعمل بها , أعد النقود جيداً و أدسها فى جيبى بلا مبالاة , أفتح الباب و أهبط دون سلام, أشير الى سيارة أجرة و أركب فى المقعد الخلفى و أحاول أن أتحمل سخافة السائق الشاعر بالملل و قد صار مملاً للغاية.
أصل الى المنزل فأهبط و أعطيه حسابه و اصعد درجات السلم فى بطء من ليس لديه ما يفعله.
أدلف الى المنزل و اغلق هاتفى المحمول و القيه بعيداً , اخلع كل ملابسى و اسير بلا ملابس الى الحمام و احاول أن أغسل بالماء روحى مع جسدى, ما زالت ذكريات الليلة تداهمنى و أنا تحت الماء البارد.
...أعتقد انه لولا تلك الليلة لاصبحت احيا حياة أخرى تماماً , كان من الممكن – بل من المؤكد – أن حالى سيتبدل و سأحظى بحياة أخرى غير تلك التى أحياها.
أعلم جيداً أنه من المستحيل تغيير الماضى و لكننى لا أرغب فى تغييره و لككنى أرغب فى أن أنساه فقط.
أريد أن انسى تلك الليلة و ما بعدها ..
اريد أن أنسى مظهر أبى و هو مستغرق فى الضحك من حكاية أمى التى ترويها له و هى جالسة الى جواره فى السيارة .
أريد أن أنسى أن هناك سيارة كانت تقطع الطريق و أن أنسى أننا اصتدمنا بها بكل قوة
أريد أن أنسى الدماء التى ملأت المكان و ان انسى أننى ركضت و ركضت حتى وقعت من التعب
انهى حمامى فانتشف جيداً  و اذهب الى غرفة نومى , لا أشعر بالرغبة فى النوم و لا فى مشاهدة التلفاز , انظر الى الساعة فأجد الوقت مبكراً و بالامكان العمل مرة أخرى ..تراودنى الرغبة ذاتها فى النزول الى الشارع وصفع كل من أقابله على وجهه بكل قسوة و عنف.
ماذا لو كان أبى قد رأى السيارة و هى تقطع الطريق؟
ماذا لو لم تحكى له أمى تلك الحكاية ؟
ماذا لو لم ترق له الحكاية فلم يضحك؟
ماذا لو لم تحدث تلك الحكاية ابداً لتحكى من الأصل؟
ماذا لو لم أركض من السيارة فى ذعر و انتظرت الى جوارها؟
ماذا لو لم يقرر الرجل الطاعن فى السن ايداعى الدار؟
ماذا لو كنت هربت من الدار ؟
ماذا لو لم أستجب للغواية الأولى  داخل الدار و التى لم تكن الأخيرة ؟
ماذا لو كنت وفقت فى الحصول على عمل بعد تركى للدار؟
ماذا لو واحدة من هؤلاء كانت ستغير مجرى حياتى..
أقوم فاتوضأ و أصلى – و هى عادتى التى لا أقطعها ابداً – فأشعر بالراحة النفسية و تذهب ذكرى تلك الليلة بعيداً مؤقتاُ.
ارتدى ملابسى و أتزين جيداً و أصفف شعرى بعناية و أرش على نفسى  قليلاً من العطر ثم أضع ما تبقى فى الحقيبة بجوار قميص النوم الأحمر.
أهبط الى الشارع متجاهلة نظرات من أقابلهم على السلم او فى الطريق.
اصل الى مكانى المعتاد فأقف و أفاضل بين عدة سيارات  توقفت و بالخبرة و الاحساس اختار واحدة منهم و أركب فتعود لى ذكرى الليلة الموعودة

No comments:

Post a Comment