9/08/2011

دعوة زفاف

كما تبدو أيام العمل متشابهات فان أيام عدم العمل تبدو ايضاً متشابهات ..لا يوجد جديد فى حياتى منذ أن تركت العمل فى شركة الدعاية و الاعلان التى ظللت أعمل بها عدة أعوام و قدمت استقالتى منها منذ عدة شهور , يومياً أستيقظ فى الثانية ظهراً أو بعد ذلك فاخذ حمامى و اعتنى جيداً بزينتى و أذهب الى مصفف الشعر و من بعده الى النادى أو الى احد الكافيهات المحيطة بالنادى , أفتح اللاب توب و أطالع جديد الأصدقاء لعدة ساعات ثم أعود لتناول الغذاء مع أمى التى تعود من عملها قرب المغرب تقريباً , بعد الغذاء أقضى وقتى فى الاعداد لسهرة المساء التى عادة ما تبدأ فى التاسعة و تكون بمنزل احدى صديقاتى العاطلات عن العمل و الزواج مثلى و لا يكون بها أكثر من التدخين و مشاهدة فيلم احياناً يكون فيلماً ثقافياً و النميمة ولعب الورق الذى تحول الى قمار مؤخراً كنوع من أنواع كسر روتين اللعب و مع اقتراب منتصف الليل نعود الى منازلنا فمازال أهالينا يشعروننا أننا ناقصات الأهلية و لا يصح أن ينتصف الليل علينا و نحن لسنا بالمنزل على الرغم من اقترابنا من سن الثلاثين و بعد العودة الى المنزل نكمل السهرة على الانترنت او فى مكالمات طويلة لا طائل من ورائها الا اهدار الوقت.
فى تلك الليلة فتحت اللاب توب كالعادة فوجدت دعوة لزفاف احد زملاء الدراسة القدامى و يشير التاريخ الى الجمعة القادمة و توجد صورة لزميل الدراسة فى نفس هيئته منذ أعوام و الى جواره فتاة غير جميلة تلتصق به و تبدو عليها علامات السعادة فى شكل كرتونى سخيف جداً و على الحائط الخاص بالدعوة كتب الكثيرين كلمات تهنئة تقليدية تحتوى على الكثير من الاستظراف و محاولة جذب انتباه الاخرين ممن يرونها.
سجلت حضورى الكترونياً و كتبت على الحائط مثلهم كلمات تقليدية للغاية فعلاقتى بالعريس محدودة للغاية و قد كانت مقطوعة منذ أن تخرجنا من الجامعة.
أقل من دقيقة و أجد اعجاب بما كتبته من شخص لا أعرفه, أفتح ملفه الشخصى فأجده شاباً وسيماً يبدو فى الثلاثينيات من عمره , أتصفح صوره فأجده حقاً وسيماً جداً و ليست مصادفة صورة الملف الشخصى , تفاجأنى التنويه عن وجود رسالة جديدة فى الصندوق الخاص أفتحها فأجدها منه " منتظر أن أراك الجمعة القادمة فأنا على ثقة أن صاحبة الصورة تفوق الصورة بهاءاً و جمالاً " ..كتبت الرسالة بانجليزية متقنة وممتازة و بلا خطأ واحد , احترت ماذا أفعل , هل أرد أم اتجاهله و ان قررت أن أرد فماذا أكتب له؟هل أوبخه على ارساله لى دون سابق معرفة و لو لمته هل ألومه بعنف و بقسوة أم بدلال و رقة ؟الحقيقة أننى أعجبت بجرأته و لكننى قررت عدم الرد.
فى اليوم التالى فتحت الجهاز و أرسلت له كلمة واحدة هى " شكراً "
بدأت الاستعداد مبكراً لحفل الزفاف فاشتريت فستاناً جديداً قصيراً للغاية و بلا أكمام وردى اللون جعلنى أقرب لنجمة سينمائية عندما ارديته و بعدها صبغت شعرى بلون يتماشى مع فستانى الجديد و قضيت يوماً كاملاً فى شراء الاكسسوارات الخاصة بالفستان حتى جاء الخميس فصرت مستعدة تماماً للزفاف كما لو أننى من ستزف بالغد و لم يبق الا اللمسات النهائية التى لابد أن تكون فى اليوم ذاته.
أشغلتنى ترتيبات الحفل عن متابعة الانترنت فى اليومين الأخيرين و عندما فتحته وجدت رسائل كثيرة معظمها كالعادة من أناس لا أعرفهم من نوعية ( الدكتور عبد الوهاب حمزة ) و ( م.شريف اللباد ) فمسحتهم كالعادة دون قراءة ووجدت ايضاً عدة رسائل من زملاء دراسة يسألوننى عن اذا ما كنت سأذهب الى الحفل ؟ و بعضهم يعرض أن نذهب معاً رغم بعد المسافة بين مسكن كلا منا!
لم أندهش كثيراً فمنذ أن فسخت خطبتى فى العام الماضى و كل من أعرفهم من رجال يشعرون و أننى قد أصبحت مشاعاً للجميع و كلهم يرغبون فى التقرب و خطب الود و كأن الفتاة التى تفسخ خطبتها على استعداد للدخول فى علاقة سريعاً و دون أسباب.
و مما زاد أكثر من تطلعاتهم أننى قد خلعت حجابى منذ فترة قصيرة و يبدو أن صورتى الأخيرة دون غطار رأس قد أثارت انبهار العديد ممن أعرفهم فقد عادوا الى وصل علاقات انقطعت منذ قديم الأزل من جديد.
اللعنة على تفكير الرجال فى مجتمعنا المتخلف البائد الفكر , انهم يظنون أن تركى لخطيبى و خلعى للحجاب يعنيان نيتى المبيتة فى التحول لفتاة ليل أو فى نظر أكثرهم تحضراً و تحرراً اشارة لاقامة علاقة عاطفية مع من يريد.
تجاهلت الرد على كل الرسائل و ذهبت للنوم مبكراً حتى أبدو فى أبهى صورة وقت الزفاف ومنذ صباح الجمعة و أنا أضع اللمسات النهائية حتى حلت الساعة الثامنة فصرت مستعدة تماماً للظهور فى الحفل.
انتظرت صديقتى التى تأخرت برهة ثم ركبت فى سيارتها متجهة الى الفندق الفاخر و منذ دخولى الى الحفل فقد لاحظت أنه حقاً مبهر و مكلف و لا يعكر صفوه الا انخفاض نسبة جمال العروس.
التقيت بالعديد من زملاء و زميلات الدراسة على نفس الطاولة و منهم من عاتبنى برقة على خلعى للحجاب و منهم – و هو فريق ضم أغلب الرجال – من أخذ يثنى على جمالى فى ال( نيو لوك) و اتفق الرجال جميعاً – حتى المتزوجين- على النظر الى جسدى بشكل مقزز و تفحص كل جزء منه ببجاحة لم اعتدها من قبل.
أخذت أجول ببصرى بحثاً عن مرسل الرسالة فلم أجده و حاولت تحمل لزاجة الزملاء من نظرات خادشة للحياء و دعوات للسهر و السفر معاً رغم ضعف العلاقة بيننا.
مرة أخرى ..تباً لعقلية رجال هذا المجتمع...
ام أستطع أن أتحمل أكثر فخرجت من القاعة لتدخين سيجارة من المؤكد أننى لو أشعلتها و أنا محاطة بهذة العقليات فلن أتعجب لو تهجم على أحدهم محاولاً اغتصابى أو بعرض مقابل مادى على لقاء ليلة حمراء.
مددت يدى أعبث بها داخل الحقيبة بحثاً عن قداحة فسمعت صوت قداحة و رجل ( بعد اذنك) , نظرت فوجدته أمامى ,  يشبه صورته على الانترنت كثيراًتغلبت على دهشتى و تركته يشعل سيجارته و يشعل لنفسه واحدة ..كان أنيقاً للغاية ووسيماً ..عرفنى بنفسه فى كلمات موجزة و سألنى عدة أسئلة جاوبته عليها فى تلقائية و مر الوقت و نحن نتحدث بسلاسة و بلا حواجز و كأننا نعرف بعض منذ زمن بعيد.
هبطنا معاً الى الكافيه الموجود بالدور الأرضى دونما اتفاق و جلسنا  نتبادل الحديث لساعات و بعدها صار كلا منا يعرف الاخر جيداً .
عرض على اصطحابى فى جولة فى شوارع القاهرة التى تكون جميلة جداً فى الليل فوافقت بلا تردد مثل المسحورة وسرت معه الى سيارته و ركبت بجواره.
أغلقت الهاتف المحمول فى وجه أمى التى اتصلت عدة مرات و استسلمت له تماماً و هو يداعب شعرى بأصابعه و يطبع على شفتاى أول قبلة من رجل فى حياتى ..
شعرت كالمغيبة عن الوعى و السيارة ما زالت تسير و قد احتضن خصرى فى حنان و داعبنى بلمسات لم يعرفها جسدى من قبل , لم أفق الا عند توقف السيارة أمام مبنى على الطريق السريع, طلب منى النزول فأطعته كالممسوسة دون تفكير.
دلفنا الى داخل المبنى الذى هو فندق من ذوى النجوم الثلاثة , حيا المرأة الجالسة فى الاستقبال بفتور فابتسمت ابتسامة صفراء , صعدت معه الى غرفة فتحها دون مفتاح و أحكم اغلاق الرتاج من الداخل.
بدأت أشعر بتوتر بعد اغلاق الباب و لكنه احتوانى فى حنان و بدأ فى تقبيلى برقة و بهدوء سرعان ما تحولا الى فوران من العاطفة و الرغبة فشعرت بتوترى يزيد بسرعة و خاصة عندما بدأ يحاول نزع فستانى بقوة مما دفعنى لدفعه بعيداً عنى بتوتر و بقوة.
ارتبك و أخذ يمسح عرقاً تصبب على جبينه ثم حاول احتضانى مرة أخرى فرفضت بشدة رغم تكرار محاولته أكثر من مرة , فجأة لمحت تعبيرات الانفعال على وجهه و قام من مجلسه و أخرج حافظة نقوده من جيبه و ألقى فى وجهى بورقة بمائتى جنيه.
انتفضت كالمذعورة من مكانى و حاولت الفرار فأمسك بذراعى بقوة و قال ( حتعمليلى فيها شريفة يا ش.... ) ..نزلت الكلمة على أذنى كالصاعقة و لم أشعر بنفسى الا و أنا أهوى بكل ما أوتيت من قوة على وجهه بصفعة لم أصفعها من قبل لأحد و جريت نحو الباب فعالجت مزلاجه و خرجت و أنا أسمعه يكيل لى السباب..
هل أنا فعلاً كما قال ؟هل تحولت الى ذلك ؟أم أننى أعيش فى مجتمع متخلف لا يعطينى الحرية الكاملة ؟أشعر بتشوش أفكارى و عدم القدرة على فهم اى شىء مما حولى ...
خرجت الى الشارع فى حالة يرثى لها والسيدة فى الاستقبال توجه لى كلاماً لا أسمعه ولا أفهمه و أحاول جاهدة الهروب من هذا الموقف المحرج و الوصول الى المنزل

No comments:

Post a Comment