9/08/2011

اعدام

بخطوات واثقة سار بتؤدة و برأس مرفوعة عالية تتطلع الى النهار القادم.
الطقس أكثر من رائع و النسمات القادمة من الشمال تبشر بنهار ربيعى مثالى الجو.
هذا النهار هو نهاره الأخير فى الحياة.
يبتسم سره من سخرية القدر و يحتار هل يحزن لأنه لن يتمتع بهذا اليوم الرائع أم يفرح لأن اخر أيامه فى الحياة يبدو يوماً رائعاً؟
من مكان ما يستمع الى تغريد العصافير , ينصت السمع فيجدها أغنيته المفضلة و لكن من عزف و غناء العصافير , يبدأ فى التمايل يميناً و يساراً مردداً كلمات الأغنية التى يحفظها عن ظهر قلب , يستمر فى التمايل فى سعادة تدهش من يسيرون خلفه فى الموكب و كبيرهم ينظر اليه مستهزءاً كما لو كان ينظر الى شخص مجنون.
يعتلى درجات المنصة بسرعة كما لو كان يتعجل الأمر و لا يرغب فى أن يطيل عمره قليلاً.
فى لحظة واحدة يرى أمامه شريط حياته كما لو كان فيلماً يمر فى ذهنه منذ الطفولة و حتى اللحظة الحالية.
يبكى, يضحك , يستثار , يشمئز , يفخر , يندم و يبتسم ..كل هذا فى نفس اللحظة.
يا مرحباً بالموت فلا يوجد لديه من أو ما يعيش لأجله, يكفى ما أفناه من عمر من أجل الوطن.
الوطن....ما هو الوطن .... هل هو الأرض أم المبانى أم السلطة الحاكمة أم الناس أم الذكريات أم مجرد الشعور بالانتماء الى شىء ما؟
هل من كانوا يسيرون خلفه الان هم أبناء نفس الوطن, هل من يحكم الان ربط الحبل حول عنقه يعمل من أجل الوطن أم ضد الوطن؟
هل كان هو نفسه يخدم الوطن أم كان مخطئاً يضر الوطن و يؤذى نفسه ؟
هل من أصدر الحكم ضده يكره الوطن ؟ أم أن الحقيقة أن لكل منا الوطن الخاص به؟ يحبه و يعمل من أجله بالطريقة التى يراها من مصلحة الوطن؟
الوطن ...يالها من كلمة تحمل الاف بل ملايين المعانى.
المجد كل المجد لك يا اينشتين , فنظرية النسبية تثبت نجاحها و عبقريتك يوماً بعد اخر, ها هو الوطن نفسه قد صار نسبياً ...اه يا ألبرت أنك حقاً معجزة!!
يغمض عينيه فى انتظار اللحظة الموعودة , يسألأونه عن رغبته الأخيرة فيحتار هل يطلب فنجاناً من القهوة أم وجبة فطور ؟سؤال سخيف فى غير محله ! فالطلب الأخير محير حقاً و لكنه يتجاوز حيرته و لا يطلب شيئاً فقط يفتح عينيه ليتمتع بالنظرة الأخيرة الى الحياة فيراها.
تصطدم عيناه بعيناها بغتة؟ متى دلفت الى هذا المكان ؟ و ماذا تفعل ؟يجيب معطفها الأبيض على السؤالين.
يطيل النظر الى عينيها التى تشع ضوئاً منخلف النظارات الطبية.
تبتسم له و كأنها بابتسامتها و نظراتها تقول له كلاماً كثيراً , كأنها تشكره على ما قدمه من أجل وطنه وتعاتبه – فى نفس الوقت- على عدم حرصه ووقوعه فى يد هؤلاء.
عينها اليمنى تمتن له على تضحياته  و اليسرى تلعن شجاعته الزائدة أو عدم حرصه الذى أوقعه فى الفخ.
يبادلها النظرات يتجاهل الامتنان و العتاب و يرد بنظرة أنا أحبك و أريد أن أعيش من أجلك أنت فقط, من أجل أن أكون معك و أن أرى عينيك مرة أخرى.
اللعنة على سخرية القدر مرة أخرى , ها هى من يحبها الان, لحظات قليلة و ستنحنى على جثته لتعلن وفاته رسمياً, راها بعين الخيال تنحنى لتفحص نبضه و تدون كلمات قليلة فى النوتة التى تحملها تعلن  بها أنه قد صار – رسمياً – ميتاً.
قطع حبل أفكاره صوت حبل المشنقة و ان هى الا لحظات قليلة و كان قد صار فى عداد الأموات.
انحنت بمعطفها الأبيض تفحص نبضاته و دونت بشكل روتينى كلمات قليلة فى النوتى التى تحملها.
تماماً نفس المشهد الذى راه بعين الخيال لم ينقصه الا تفصيلة واحدة.
دمعة ساخنة انحدرت من عينيها من أسفل نظارتها لتحرق خدها

No comments:

Post a Comment