5/02/2011

السائر للخلف

هكذا خلقه الله عز وجل و هو لا يعترض على خلقة الله و لكنه يجد نفسه مختلفاً عن الاخرين و هذا ما يضايقه.
يجد صعوبة بالغة فى السير الى الأمام و لكنه – على النقيض – يجيد السير الى الخلف, فى الصغر كان الأمر صعباً و كان يسير ببطء شديد و مع مرور العمر أصبح لا يجد أدنى صعوبة فى الجرى و بسرعات كبيرة.
زار العديد من الأطباء و لكنهم قالوا له أنه سليم تماماً , لا يوجد –طبياً – ما يعيقه عن السير للأمام بسهولة, جرب العديد من المرات لسنوات طويلة حتى أصابه اليأس و فى النهاية استسلم الى قضاء الله و صار يستعين بالمرايا فى سيره حتى لا يرتطم بأحد او بشىء أثناء السير.
على حد علمى انه الحالة الوحيدة فى العالم المصابة بهذا المرض الغريب و لذلك كان حديث الجرائد و برامج التاك شو لفترة ليست بالقصيرة ثم نساه الناس كالعادة و "افة حارتنا النسيان" كما قال أديبنا الكبير نجيب محفوظ و حقيقة فقد فرح كثيراً عندما نساه الناس فهو كان يرى- فى تلك الفترة- أنه سلعة تعرض ليتفرج عليها الناس و هو لا يحب هذا الشعور و يشعر باللا ادمية فهو يريد أن يعيش حياة طبيعية و لا يريد أن يشعر بالاختلاف عن من حوله.
ليس له أصدقاء فقط لديه مجموعة من زملاء العمل و مجموعة من الجيران و منهم من يخشون التعامل معه و يظنون انه ممسوس من قوى خفية, و انقسم الناس الى قسمين : القسم الأول يخشاه و يتعامل معه بتحفظ و القسم الثانى يعامله بود زائد عن الحد و هو ما يشعره أنه غير طبيعى و لذلك فقد قرر الحياة بلا أصدقاء فى الواقع.
و لما كان من المستحيل أن يعيش وحيداً فقد بدأ عالماً موازياً على الانترنت و برامج التواصل الاجتماعى, اختار اسماً مستعاراً و بدأ فى تكوين الصداقات و العلاقات مع غيره من البشر من الجنسين.
صار له عالمان : عالمه الذى يسير فيه الى الخلف و عالمه الذى يسير فيه الى الأمام و أجمل ما فى الأمر أنه قد اتخذ على نفسه عهداً الا يلتقى العالمان مهما كان, فأصدقاء العام الموازى لا ينتقلون ابداً الى عالم الواقع و قد التزم بهذا الوعد سنوات و سنوات حتى وقع المحظور.
الكل متوقع ماذا حدث و توقعكم صحيح للأسف –فأنا لا أملك من الخيال أوسع مما تمتلكون- نعم, فقد أعجب بفتاة اعجاباً شديداً ووجدها قريبة منه الى حد لا يصدق و صارحها باعجابه و طبعاً صارحته هى أنها تبادله نفس الاعجاب , كانا قد قضيا أعواماً يتحدثان يومياً  -اللهم الا فى حالات نادرة – و صار لزاماً عليه أن ينقلها الى عالمه الأصلى و هى الأخرى كانت تريد أن تراه و أن تعرفه ففى مرحلة ما يصبح التواصل الالكترونى غير كاف و مشاهدة كل منهما الاخر عن طريق محادثة فيديو غير مقنعة لكل منهما.
و لذا فقد اتخذ القرار سيقابلها و ليكن ما يكون.
ظل ليلتها يفكر فى أن يصارحها بحقيقة مرضه قبل أن يلتقيا حتى لا تفاجىء بما سترى ثم تراجع خوفاً من أن تصاب  بصدمة و قرر أن يراها و ليكن ما يكون  ووجد فكرة هائلة سيذهب الى الميعاد قبلها بكثير و سيظل جالساً فى مكانه و يخبرها أثناء اللقاء بمرضه حتى لا تفاجىء برؤيته سائراً الى الخلف.
و بالفعل ذهب قبل الميعاد بأكثر من ساعة و جلس فى مكانه ثم جاءت هى ..عرفها من أول ما دخلت الى المكان و قام فى استقبالها و جلسا معاً يتحدثا بالساعات على شاطىء النيل.
قضى أمتع ساعات حياته معها و مضى الوقت سريعاً لدرجة لا يتخيلها و فوجىء بها تخبره برغبتها فى المغادرة نظراً لتأخر الوقت.
لم يرد أن ينهى هذة اللحظات الجميلة نهاية مأساوية فصمت عن اخبارها بالحقيقة و دهس المراة التى يستخدمها ليرى الأشياء أثناء سيره تحت قدمه و قاما معاً و أمسك بيدها و خرجا معاً من المكان و السعادة تكاد تخفى ملامحهما.
  *************************************************


No comments:

Post a Comment