5/19/2011

هى

هى
درجة الحرارة تقترب من الأربعين ...انه الصيف حيث كل القبح الموجود فى العالم ...الصيف حين يزدادا الذباب صباحاً و الناموس ليلاً ..الصيف حين يصبح مجرد التقاط أنفاسك شىء متعب و مزعج و يجعلك تصبب عرقاُ ...انه الفصل الذى تملك فيه خيارين فقط اما الحياة فى الأماكن المغلقة حيث مكيف الهواء المزعج الذى يمنحك هواءاً بارداً مقابل راحة أعصابك او البقاء فريسة للعرق و الذباب تلعن كل ما فى الحياة بما فيها أنت شخصياً...
أرفع درجة التكييف فى السيارة و أرفع صوت الراديو فأجد شخص ما يتكلم عن العيون و الرموش ظناً منه أنه رومانسى حنون ..لا داعى للحديث عن مدى قبح صوته و رداءة كلماته التى لو اردت أن أكتب كلمات لأغنية أثناء القيادة لما خرجت اسوأ من تلك الكلمات فضلاً طبعاً عن اللحن الذى سمعته ما لا يقل عن 432 مرة قبل ذلك فى أغانى أنتجت من 2005 و حتى 2009 ..
أحول الراديو الى البرنامج الأوروبى و ابدأ فى الاستمتاع قليلاً بموسيقى موتسارت التى تقول كلاماً كثيراً و ربما كانت تحكى قصة حياته العجيبة بلغة لا نفهمها ...تنخفض درجة حرارة السيارة بعد فترة فأشعر بتحسن فى مزاجى و تبدأ الحركة المرورية على الكوبرى فى الانسياب فيزداد التحسن فى مزاجى..أقترب من نهاية الكوبرى فيرن هاتفى المحمول ليعيد مؤشر مزاجى اسوأ مما كان عليه فى بداية القصة ...انها هى تتصل ..أتجاهل اتصالها و أرفع موسيقى موتسارت و أكاد أصطدم بالسيارة التى أمامى فالكوبرى قد توقف ثانية مرة أخرى ...انها بشائرها ...
أشرد بفكرى و أتعجب من اننى كنت أحب هذا الكائن يوماً ما  , فى يوم من الأيام حاربت العالم كله من أجل الارتباط بها ..هل كنت مغفلاً لهذة الدرجة ؟ الاجابة نعم  ...يرن هاتفى مرة أخرى فلا أجد بداً من الرد عليها.تسألنى عن مكانى بصوتها الذى يخرج من أعماق الجحيم و طريقتها التى ترفع ضغطى لحظياً ..أجيبها أننى اقتربت من المنزل ..تطلب منى بتعجرف يليق بها أن أحضر "شيئاً ما " لنأكله فهى لا تملك المزاج و لا الوقت الكافى لاعداد اى طعام كما أنها لا تزال على أبواب العمل و ينتظرها ما لا يقل عن ساعة فى الطريق ....أنهى المكالمة و ابتسم فلا زال أمامى ساعة كاملة أستطيع أن أنعم بها قبل أن تصل الى المنزل و تحيل حياتى الى جحيم كعادتها...
أعود للشرود مرة أخرى و أتذكر عندما عرفتها و عشقت تفاصيل شخصيتها بجنون ..كنت أنبهر بكل حركاتها و كلماتها ..أعجبت باراءها التى كشفت لى عن عقل راجح و بصيرة نافذة ..حاولت التقرب اليها مراراً و تكراراً و دائماً ما كانت تبعدنى عنها و تكتفى بأن تكون صديقة لأصدقائنا المشتركين و لم تسمح لى بأن أراها منفرداً مما زاد وقتها من اعجابى بها و من اصرارى على الوصول لقلبها ..فعلت كل ما يمكن أن يفعله شاب لنيل قلب فتاة..كنت أهتم بها دائماً و بدون مناسبة اما فى المناسبات فكانت ترى منى ما يزيد من زهوها و يشعرها بقيمتها , أتذكر يوم عيد ميلادها عندما فوجئت بباقة ورد تحمل تهنئة موضوعة على مكتبها عندما وصلت اليه و فوجئت بباقة أخرى داخل سيارتها عندما ذهبت لتركبها بعد انتهاء يوم العمل ..احتاج الأمر منى الى خطة محكمة مع بعض زميلاتها فى العمل للوصول الى داخل السيارة كما احتاج منى مائة جنيه للسايس الذى أصر على انى لص حتى لو كنت ذاهب لوضع شىء داخل السيارة لا لأخذ شىء من داخلها...لم تنتهى مفاجات عيد الميلاد عند هذا الحد بل وجدت هدية جميلة أمام باب منزلها  مصحوبة بباقة ورد و احتاج الأمر ايضاً الى التنسيق مع نفس الزميلات اللاتى أخبرن والدتها أنها هدية أصدقاء عمل مع أن الواقع غير هذا... أتذكر الان كيف بدأت تعطينى أملاً بسيطاً فى الاقتراب منها ثم تعاود البعد مرة أخرى و أنا الذى كنت موهوماً بها وافقت على الاستمرار فى هذا الوضع الشاذ و الغريب فكنت معلقاً بها و لا يربطنى بها اى شىء رسمى أو غير رسمى و أتعجب الان من أننى قبلت بهذا الوضع لأعوام ثلاث قبل أن تتكرم و تخبرنى أنها لا مانع لديها من أن تعطى نفسها فرصة للتفكير ..
أحمق أنا ؟ أعترف أننى كذلك و لا أنكر أننى فى الوقت الذى كنت أظن فيه أن السعادة هى أن أكون بجوارها كنت أخسر الكثير ..خسرت العديد من الأصدقاء و عدداً أكبر من الصديقات اللاتى حجمت كثيراً من علاقتى معهم بدون سبب يذكر ...ليت الأمر توقف على الأصدقاء و الصديقات فحسب بل وجدت نفسى أتراجع فى عملى بصورة غير مسبوقة و قد جلس معى مديرى لافتاً انتباهى أننى بعيد كل البعد عن المستوى المنشود فى الأداء و على مراجعة نفسى قبل أن أخسر الكثير... حتى مع نفسى كنت أخسر ..كنت دائم الشرود و التفكير بها...كنت أراها محوراً لكل الأشياء مما أفقدنى الكثير من صحتى و أثر على تركيزى بشكل عام .. كل هذا كنت أعرفه و كنت أقبله فى سبيل الوصول اليها هى ..
أفيق من شرودى و أنا أقف أمام محل للوجبات السريعة أطلب وجبتين من النوع الذى أفضله أنا و بالطبع فهى لا تفضله و حتى لو كانت تحبه فمن المؤكد أنها ستدعى  أنها لا ترغب فيه اليوم تحديداً  .لم أكن راغباً فى افتعال مشكلة جديدة و لكن كل شىء كان يهون فى سبيل ألا أتصل بها فأسمع صوتها المزعج يرن فى أذنى لتطلب منى ما تريد ...كما أننى أعلم أننى حتى لو طلبت ما طلبته فستحدث مشكلة ستفتعلها هى بلا أسباب ..و لذا فلتكن مشكلة حقيقية اذاً ...طلبت منه أن يضيف شطة لكل الطلبات و أنا أعلم أنها تكره الأكل ( سبايسى ) و عندما تثور سأدعى انها غلطة المطعم...يالها من فكرة شيطانية ..أقل عقاب لها هى الا تأكل اليوم ...
جلست أدخن بانتظار الأكل و عدت الى شرودى...تذكرت كيف أن الخطبة تمت بعد أن دفعت كل ما أملك و ما لا أملك بعد الاستدانة من أجل تحقيق رغباتها كلها..تذكرت ما قبل الفرح و كيف كنت أطير – لا أمشى من السعادة – من أجل اقتراب اليوم الموعود بينما هى تطلب كل يوم جديد فى الفرح فألبيه صاغراً من أجل اسعادها الذى هو اسعادى و ليس ضعفاً منى ...يالها من أيام...أتذكر أيام شهر العسل و كيف بدأت تتذمر منذ اليوم الرابع و تشكو من أن تايلاند ليست كما تصورتها و تندم على عدم الذهاب الى أوروبا ..أصمت تماماً و لا أذكرها أن اوروبا كانت اقتراحى أنا بينما هى أصرت على الذهاب للشرق الأقصى و وافقت تلبية لرغباتها...
أفيق على صوت العامل يعطينى الأكل فاخذه و أخرج الى الحر الخانق بالخارج و أركب سيارتى سريعاًُ ....لابد من نهاية لكل هذا ..أحمد الله أنها رفضت الحمل بدعوى عدم ملائمة التوقيت فالحقيقة أننى لو كنت أنجبت منها لكرهت أولادى ...أظل أفكر و أفكر ...لابد من أن يكون لكل ذلك من نهاية ...
أصل الى البيت فأدخله شاعراً بمشاعر متناقضة ما بين الفرح لعدم وجودها و الحزن لاقتراب موعد وصولها..أبدل ملابسى و أجلس أمام التليفزيون أتابع مباراة كرة فى الدورى الانجليزى فى انتظار وصولها ..
تدخل الى المنزل فتحيينى بيديها و تذهب لتغيير ملابسها ..أبصق عليها و هى سائرة فلا ترانى ...أفتح أكياس الطعام فتعود الى بعد أن بدلت ملابسها ..لا أنظر الى وجهها ..نتبادل كلمات تقليدية ...أنتظر أن تبدأ فى الاعتراض فتبدأ فعلاً بدعوى أن الأكل بارد....هادئاً أدخل الى المطبخ ...أستل سكيناً ...أطعنها عدة طعنات فيما بعد سيقول الطبيب الشرعى أنهم 23 طعنة ...أجلس فى هدوء التهم الوجبتين معاً و أتابع مباراة ادورى الانجليزى  باستمتاع...
ترن ترن ترن ....صوت منبه عال يرن فى الغرفة ...استيقظ من النوم ..أنظر الى الساعة ..اللعنة لقد تأخرت على موعدى مع خطيبتى .الجو حار جداً ..يبدو أن الكهرباء مقطوعة فالتكييف لا يعمل...أتصبب عرقاً  و أنظر الى الهاتف فأجدها اتصلت عدة مرات كما أرسلت لى رسالة ..
أبتسم و أنا أتذكر الحلم العجيب...أفتح رسالتها التى تسألنى عن مكانى و عن أسباب تأخرى عن الموعد المنتظر ....أرد عليها قائلاًُ "حبيبتى ....احنا مش حينفع نكمل مع بعض ..يا ريت نفسخ الخطوبة و كل واحد فينا من طريق علشان ماقتلكيش فى يوم من الأيام "
أرسل الرسالة و أقوم لاخذ حماماً بارداً يمحو اثار الحلم و لعله يمحو معه – ان استطاع- اثار السنوات الثلاثة الأخيرة

 *******************************************************

  

No comments:

Post a Comment