6/01/2011

حلم لا ينتهى

الجو عاصف للغاية خارج الغرفة ..أتوقع هطول أمطار بعد وقت قليل.أتسلل لغرفتها أنظر اليها و هى نائمة,غريبة هى حالتها و لا أجد لها تفسيراً , أقترب من الكومود بجوار سريرها فأجد حفنة من الأوراق يبدو أنها بخط يدها مكتوب عليها "حكايتى" و مذيلة بتوقيعها . أسمح انفسى بالتلصص على خصوصيتها فأمسك بالأوراق لأقرأ ما كتبت:
 " لا أهوى الكتابة و لم  يسبق لى أن كتبت و لكننى أرى أن حكايتى الان لابد من توثيقها فأنا الى زوال قريب و لابد من أن تبقى حكايتى لعل أحد يفهم منها شيئاً فى يوم من الأيام.
لا أذكر تحديداً متى بدأ هذا الموضوع و لكن من المؤكد أنه بدأ بعد زواجى من" مصطفى "..
لم يكن مصطفى زوجاً سيئاً ابداً و لكنه كان عادياً للغاية...تقدم لخطبتى من أهلى و قبلته لأنه لم يكن هناك سبب لرفضه فهو شاب ناجح فى عمله كما أنه من عائلة مرموقة و حالته المادية جيدة جداًُ و لذلك فرفضه سيكون نوع من أنواع الحماقة الغير مبررة و قبلت به و مرت أيام الخطوبة و كان مصطفى ممتازاً و لكننى فشلت فى تكوين اى مشاعر ناحيته فقد  ظل بالنسبة لى مجرد شاب ناجح و وسيم و لكنه لا يمثل لى شيئاً خاصاً ..سيفهمنى البعض و البعض الاخر- وهم الأغلبية- سيعتبرنى حمقاء تبحث عن حب الروايات الغير موجود على أرض الواقع وتتمرد على عريس تتمناه معظم فتيات القطر المصرى و لكن هذا ما شعرت به و على العموم فقد كنت أعامل مصطفى بشكل جيد للغاية و لكنى لم أقل له ذات يوم أننى أحبه و هو الشىء الذى لم يكن يمثل له أزمة فمصطفى مختلف عنى فى هذة الناحية..هو يحب و لكن من منظور اخر و بطريقة أخرى ..يحب عمله و يحبنى لأنى خطيبته و لأنى جميلة و لأنى من أسرة محترمة أما أنا فأرى أن الحب فعل غير منطقى من الأساس و لذا لا يمكن قياسته بالعقل ابداً و اذا دخلت الحسابات فى الحب فهو يفسد تماماً فالحب هو حالة لا مبرر لها و لا أسباب و أرى أنه من العبث أن تسأل شخصاً لماذا تحب فلان ؟ عامة لم أمسك بأوراق و أكتب لأتحدث عن رأيى فى الحب , أعتذر ..سأعود الى القصة ..تزوجت من " مصطفى " فى حفل زفاف شهد كل من حضره أنه جميل للغاية و بدأت حياتى كزوجة...انصافاً للحق مصطفى لم يتغير بعد الزواج ...ظل يخلص فى عمله و ينال الترقية تلو الأخرى و يؤدى واجباته كزوج فى فراش الزوجية على أكمل وجه بدون اى تغيير..فقط كان يؤرقه عدم الانجاب و لم يكن يعلم بالحقيقة و هو اننى كنت أحرص بشدة على عدم حدوث ذلك.
لا أعرف سبباًُ و لكننى شعرت أننى لا أرغب فى الانجاب من هذا الشخص ..فالانجاب سيربطنى به بشكل ما و أنا لا أرغب فى أن أكون مرتبطة به أكثر من كوننا نتكلم قليلاً معاً فى أحاديث تقليدية .كان صموتاً بطبعه و كذلك أنا مما سهل  من مهمتى فى تجنب الحديث معه كثيراً و استمرت الحياة على تلك الوتيرة بدون جديد يذكر.
أعتقد أن الموضوع قد بدأ فى تلك الفترة ...فى البداية لاحظت أننى أحلم يومياً و أستيقظ لأتذكر كل تفاصيل الحلم كأنه واقع ثم بدأت ألاحظ أن الحلم مستمر و أن الأحداث ترتبط ببعضها  فحلمى يبدأ يومياً باستيقاظى من النوم و ينتهى يومياً بسقوطى فى نوم عميق و عندها استيقظ فى حياتى العادية و ابدأ يومى الذى ينتهى بسقوطى فى النوم و استيقاظى من النوم فى الحياة الأخرى..
فى البداية كان الموضوع مسلياً ثم أصبح كابوساً لا أفهمه ابداً و احاول منعه  وتفاديه و أصبحت أنتظر كالمجنونة أن أحلم بشىء مغاير أو الا أحلم ابداً فلا يحدث...
كانت حياتى فى الحلم جيدة جداً ...كنت أماً لطفلة تبلغ من العمر أربعة أعوام سميتها " سلمى " و كان أبوها الذى هو زوجى يعمل بالامارات مهندساً للبترول و يدعى "أمجد " و كان يحادثنى كلما سنحت الفرصة ..كنت أحبه جداً كما كان حبى لسلمى لا يوصف.
كانت حياتى الثانية هادئة للغاية و لا يشوبها اى مشاكل..فقط مشاكل طفيفة مع جار متطفل يرغب فى ادعاء الشهامة مع انها اخر صفة يمكن أن يوصف بها ..الأحداث فى الحياة الثانية لا يمكن ابداً أن تكون حلماً فلا يوجد حلم بهة المنطقية و الترتيب و التسلسل كما أنه لا يوجد حلم يقسم الى حلقات أعيش منها كل يوم حلقة.
ايضاً ملحوظة هامة هو أننى لم أشعر مطلقاً أننى أحلم فى الحياة الأخرى ..كانت الأحداث تمر كأنها حقيقية ..كلا بل هى حقيقية ..حقيقية أكثر من الحقيقة ..أصبحت أحب حياتى الأخرى أكثر من حياتى الأصلية و أصبح نومى كثيراُ و أكره شعور الاستيقاظ من النوم الذى يأخذنى من الحياة الأخرى و أصبحت أفتقد سلمى و أمجد –زوجى الاخر- عندما أكون مستيقظة مما أثر على أعصابى فأدمنت التدخين و أصبحت شديدة العصبية مع كل من حولى خصوصاً عندما اقترب موعد عودة أمجد من الامارات لقضاء الأجازة السنوية ..أصبحت أيامى مع مصطفى أكثر تعاسة..كنت أثور لأتفه الأسباب ..أرفض أن يقترب منى أو يلمسنى فأنا مخلصة لأمجد الذى تربطنى به ذكريات جميلة و قصة حب رائعة لا أتذكر تفاصيلها الا عندما أذهب لأنام فعندها أجلس أحكى سلمى الصغيرة عن أبيها و عن قصتى معه التى يجب أن تخلد فى كتاب رائع ..
تلقائياً أصبحت لا أتحدث مع أحد و خصوصاً مصطفى ذلك الرجل الذى يدعى أنه زوجى و يحاول التقرب منى ..فقط أجلس فى ملل أدخن و أنتظر العودة لسلمى و لأمجد الذى يصل مصر بعد أيام قليلة ...لا أملك الكثير من الوقت قبل وصوله و لابد من اعداد كل شىء قبل وصوله و ذلك السخيف مصطفى يصر على اهدار وقتى و مجهودى فى محاولة الحديث معه و معرفة ما حل بى ..
عاد أمجد و قضينا معاً أياماً شبيهة بأيام شهر العسل و لكن فى وجود ملاكنا الرائع سلمى و كعادة الأيام جميلة انقضى الوقت سريعاً و عاد أمجد الى الامارات و أصبحت لا أطيق مجرد رؤية مصطفى و طلبت الطلاق و على الرغم من اتهامات أهلى لى بالجنون و محاولات السخيف مصطفى للعودة تم الطلاق و عدت الى منزل أهلى أقضى أوقاتاً مملة بالنهار و أصبحت أكثر  من تناول المنومات من أجل أن أذهب الى سلمى و أمجد و فى الحياة الأخرى أحرص على السهر قدر المستطاع و عندما يهاجمنى النوم أقاومه بشدة و مؤخرأً أصبحت أسقط مغشياً على فى أى مكان من فرط الارهاق.
مؤخرأً تداخلت الحياتان معاً و لم أعد أدرى أين الحياة الأصلية و أين الحلم ..لم يصبر أهلى على أكثر من هذا و قرروا ايداعى هذا المكان الذين قالوا أنه كفيل بأن يقضى على أى هواجس موجودة بداخلى ..أحمد الله أننى من أسرة مثقفة و الا لكانوا قالوا أننى ممسوسة من الجن.
من قال أنها هواجس ؟ و على افتراض انها هواجس . من قال أننى أرغب فى انهائها و لو كان هذا المكان سيقضى على حياتى مع سلمى و أمجد  فسيكون أكثر الأماكن التى أكرهها فى حياتى
الى هنا تنتهى قصتى ..لا أهتم ان كان الطبيب اللعين يصدقها أم لا و لا أهتم ايضاُ ان كان من سيقرأها سيصدقها أم لا
داخلياً أرغب الا يقرأ أحد تلك الأوراق و أن يكون ما أنا فيه الان و أنا أكتب هو الحلم اما الحقيقة فتكون حياتى مع سلمى و أمجد....لو تم هذا سأكون فى غاية السعادة اما لو قرأت هذة الأوراق فاللعنة عليك فها أنت ذا تؤكد أننى لا أحلم الان و أن الحياة مع سلمى و أمجد هى الخيالية فأذهب الى الجحيم ايها القارىء "
   انتهت


كانت الأمطار قد صارت سيولاً و اقترب الليل من الانتصاف فأعدت الأوراق الى مكانها و نظرت اليها وهى نائمة تعجبت من مدى سردها للقصة بهذة الدقة و كذلك تعجبت أكثرمن وصفها لى بالطبيب اللعين رغم أننى أحاول مساعدتها  ...
خرجت من الغرفة و أغلقت الباب خلفى و أنا أسأل هل هذة السيدة مريضة حقاُ أم أن ما قالته حقيقياً و يفوق قدرتنا على التصديق؟
سيظل هذا السؤال بلا اجابة على الأقل فى الوقت الحاضر. .......






No comments:

Post a Comment