6/22/2011

اوراق فتاة ليل

أوراق فتاة  ليل

فى ساعة مبكرة من الصباح أكتب اليكم هذة الأوراق, من أنتم ؟ أنا لا أعرف و لا أريد أن أعرف..المهم أننى وجدت من أشكو له همى اخيراً , أعلم أن كل من يقرأ هذة الأوراق الان لديه همومه الخاصة و لن يعتبر أوراقى و حكاياتى أكثر من قصة مسلية -أو مملة – يقرأها فينساها و لذلك فأنا لا أكتب من أجل متعتكم أو من أجل تعاطفكم و لا أكتب من أجلكم اصلاً بل أكتب من أجلى أنا , من أجل لا أكبت أحزانى بداخلى فتأذينى, لا أحد يستحق أن أشاركه مشاكلى. سأكون أكثر تفاؤلاً و أقول أن الشخص الذى يستحق مشاركتى لهمومى لم أتعرف عليه بعد.
مقدمة طويلة؟ نعم فأنا مملة بطبعى منذ الصغر. كنت مختلفة عن الأطفال الاخرين , أميل الى الصمت , الى التأمل فى الأشياء من حولى ..كان لى العديد من الأخوة و الأخوات بحكم الزمن وقتها فلم أنل اهتماماً كبيراً بعد ولادتى بعامين اذ سرعان ما قدم أخى الصغير الى العائلة و من بعده أخت الأصغر وأصبحنا كلنا مجرد رقم ( سبعة) ..أتذكر الان المسرحية العبقرية ل ( عادل امام ) و هو يسأل حاجب المحكمة ( سبعة أولاد فى الشهر ؟ ) كانت الجملة تثير ضحك الجميع فنحن سبعة ايضاً و لكن مع الفارق فوالدى كان موظفاً مرموقاً فى الدولة , لم نكن أغنياء بمعنى الكلمة و لكننا كنا لا نعانى مادياً ..لم أكن متفوقة دراسياً , كان الأساتذة يتهموننى دائماً بالكسل فى التفكير ..حقيقة لم أكن أعرف فيم أتفوق تحديداً ؟ المهم مرت السنون و نجحت فى الحصول على الشهادة الثانوية بمجموع ضعيف جداً جداً لم يؤهلنى لاى كلية ففضلت عدم الالتحاق باى جامعة و البقاء بالمنزل. بعد أن انهيت دراستى الثانوية بعام توفى أبى بعد سنوات من المعاناة مع المرض و تفرط عقد العائلة بين الدول .. أختى الكبرى تزوجت و ذهبت الى بيت زوجها, كذلك أخواى سافرا الى الخليج و الأخ الأصغر هاجر الى استراليا ..تبقى فقط أنا و أمى و الأخت الصغرى التى سرعان ما تزوجت هى الأخرى و سافرت مع زوجها الى الخارج – لا أذكر اى بلد تحديداً – اما أخى الأصغر فقد خرج فى يوم من الأيام و لم يعد و لا نعلم عنه شيئاً حتى هذة اللحظة.
أصبحت أمى مسئولة منى بعد كبر سنها و كان معاش الوالد يكفينا و لكن بمرور السنين و بعد أن وصلت- أنا بالطبع لا أمى - الى الثامنة و العشرين من العمر صار المعاش يكفى بالكاد ثم صرنا نواجه مشاكل مادية جمة فالمعاش ثابت عند ثلاثمائة جنيه و لكن الأسعار تجرى أسرع من الصاروخ مما دفعنى الى البحث عن عمل لتحسين الأوضاع, كنت واهمة فى موضوع فرصة العمل تلك فأنا نسيت القراءة و الكتابة اصلاً كما أننى لم أغادر منزلى منذ أعوام و لا أعلم شيئاً عن العالم بالخارج بل و أراه مفزعاً ايضاً .
رحم الله أمى من معاناة الفقر-و خصوصاً بعد راحة طوال عمرها- فماتت ذات يوم و هى تتوضأ لصلاة الفجر و تركتنى خلفها وحيدة تماماً فى هذا العالم
هنا برز السؤال ؟ لماذا أعيش ؟ كنت أعيش من أجل أمى و ها هى أمى قد ذهبت..بلغت الثلاثين من العمر و أصبحت فرصتى فى الزواج صعبة.
أريد أن أصرح لكم بشىء ايضاً , هل تعلمون أننى لم أرفض اى عريس ؟ تخيلوا أنه لم يتقدم لخطبتى شاب واحد ؟؟ هل أنا قبيحة ؟ كلا و الله ..أنا سمراء طويلة ممشوقة القوام أمتلك جسداً فارع الطول منسق و ملامح تراها فى أغلب الفتيات المصريات..هل هو النصيب ؟ لا أعتقد ايضاً ..فلا يمكن أن يعزف كل الرجال عنى بلا سبب...هناك سبب أجهله جعل الجميع يعزفون عنى.عشت عاماً أسود بعد وفاة الوالدة, أصبت باكتئاب شديد و فكرت فى الانتحار و أثنانى الله –عز وجل- عن هذة الفكرة , تغيرت شخصيتى كثيراً فصرت لا أتحدث تقريباً فمن أحدث؟ بعد محاولات ووسائط و اتصالات مكثفة تعينت أخيراً فى مدرسة ثانوى كمشرفة بمرتب ضعيف جداً و لكنه كان يكفينى للعيش خصوصاً و أن المدرسة بجوار المنزل.
بعد أن بدأت عمل عادت الحياة الى مرة أخرى و بدأت اهتم بمظهرى و بنفسى و صرت أجمل و أكثر اشراقاً.. كنت مطمعاً لرجال كثيرين ليس من أجل الزواج طبعاً و لكننى قاومت بانتظار عريس من السماء أو من الأرض أو من تحت الأرض حتى..المهم أن أجد حائط أرتكن اليه و أنجب أولاداً ..كان يومياً يراودنى حلم أننى أم لأطفال كثيرة و أستيقظ فأبكى على وحدتى.
فوجئت ذات يوم بأن هناك خصلات بيضاء تتسلل الى شعرى ..انتابتنى حالة من الذهول, هل مضى العمر بهذة السرعة؟ هل أصبح الشباب يتحول الى ماضى ؟ فاجائنى أكثر من غريب بكلمة ( يا مدام) ثم صدمنى سائق تاكسى بكلمة ( يا حاجة) فأصبحت الدنيا سوداء فى عينى.
هل أنا (حاجة) ؟ هل أصبحت أقرب لسيدة كبيرة منى لشابة ؟ أصبحت أنظر الى المراة كثيراً و أتكلم معها , استعملت صبغات كثيرة لدرء اللون الأبيض و حافظت على جمال جسدى و أصبحت أتفنن فى اختيار الملابس الضيقة حتى يعرف الجميع أننى لست (حاجة) ..بالفعل نجح الماكياج و نجحت الملابس فى خداع الناس فصرت مرة أخرى ( انسة ) أو على اسوأ الفروض ( مدام ) و أصبح شغلى الشاغل هو اختيار ملابسى و ماكياجى و طريقة مشيتى ليس الا.
بعد عدة أعوام استقلت من المدرسة لأعمل فى عيادة طبيب فى الفترة المسائية – فأنا كائنة ليلية بطبعى – و المرتب مغرى لأن معظم الفتيات يرفضن العمل فى الفترة المسائية التى تمدد حتى الثالثة من صباح كل يوم.
عند الفجر أنهى عملى فى العيادة و أنزل الى الشارع أسير حتى المنزل.يظن الجميع أننى فتاة ليل فيعاكسوننى و يتحرشون – لفظياً – بى و يحاولون معى و أنا أستمتع بمعاكستهم ثم أتركههم يائسين محبطين.
دون أن أدرى أصبحت أتعمد تأكيد صورة فتاة الليل لدى الجميع بدءاً من الطبيب الذى أعمل فى عيادته و حتى الجيران الذين أصبحوا يقابلونى بكلمة ( استغفر الله العظيم ).
أعرف أننى مريضة نفسياً و لكننى أعشق نظرات الرجال الشهوانية الى جسدى و أعشق كلمات الغزل – وخصوصاً الخارج منها – الموجهة الى و يشهد الله أن رجلاً لم يلمسنى فى حياتى و لكن هكذا أنا و لا أعرف علاجاً لحالتى تلك.
اليوم أخذت أفكر فى هذا الموضوع طويلاً حتى جاء الصباح فقررت أن أمسك بورقة و قلم و أكتب تفريغاً لهمومى.
بطاقتى و شهادة ميلادى يقولان أننى سأتمم العام السابع و الأربعين بعد أيام و لكنهما يكذبان فأنا بعد فى الثلاثينيات و لا زال العمر أمامى طويلاً و يوماً ما سأكون زوجة و أم مثالية ترعى بيتها بمنتهى الهمة و الاخلاص.




No comments:

Post a Comment