4/28/2011

العمل عبادة

هو لا يملك من أمر نفسه شيئاً , يظنه الاخرون غبياً و هو ليس كذلك هو فقط لا يملك اختيارات أخرى.
يبدأ يومه منذ شروق الشمس , يتناول افطاره المكرر و ينخرط فى ممارسة المهام المكلف بها الى أن تغيب الشمس فيأكل مرة أخرى و يخلد الى الراحة. حياته مثل حياة هؤلاء الاخرين الذين لا يكفون عن السخرية منه او القسوة عليه.
عمله مجهد؟ من منا يعتقد أن عمله مريح؟؟
يظنه الاخرون ضعيفاً و هو ليس كذلك و لكنه ليس عليه الا السمع و الطاعة , يستعجب الاخرون من أنه لا يثور و لا يحتج , هو فقط يعمل و يعمل الى أن يقضى الله أمراً كان مفعولاً و يقبض روحه. وهو يمارس عبادته التى أمره الله بها , الا تقولون أن العمل عبادة؟
يهينه الاخرون دائماً دون أن يدركوا أنهم جميعاً مثله يعرقون من أجل قوت يومهم فى مهنة لم يختاروها و لكن اختارها لهم القدر و لا يملك أحداً منهم الاحتجاج او الاعتراض الا فى سره و من قال لكم انه لا يفعل ذلك مثلكم فى سره!!
تنظر الى وجهه فترى الاستكانة و الاستسلام و الرضا بما قسمه الله له , يزوجونه من أجل التكاثر فينظر الى أنثاه مستسلماً و يتعايش معها و مع الوضع مثلما تفعلون أنتم.
كم منا اختار أنثاه حقاً , لماذا يتعجب الاخرون!! ان الله قد خلقه لهذا و هو لا يرى فى هذا عيباً فيه أو نقصاُ  من قدره انما كل مسخر لما خلق من أجله و هو يرى أنه يقوم بدوره بلا تقصير أو تخاذل.
لماذا يخدع الاخرون أنفسهم و يتوهمون أنهم يختارون عملهم و زوجاتهم بينما هم فى الحقيقة يدورون فى ساقية الحياة بلا توقف و لا يختارون اى شى ء , هم فقط يقولون ذلك لتسكين ضميرهم المتألم اما هو فأكثر صراحة مع نفسه منهم فهو يعرف حقيقته و لا يخدع نفسه و لا الاخرين و لم و لن يرتدى الأقنعة مثلهم.
صدقونى انه مثلكم و أنتم مثله فقط اخلعوا القناع و ستجدون ان كلامى حقيقى, قد تختلفون معه فى الهيئة و لكن حياتكم واحدة.
هل كل ذنبه أن الله قد خلقكم بشراً و خلقه حماراً.


 **************************************************



4/27/2011

الصمت


استيقظت من نومها فى السابعة صباحاً كعادتها كل يوم , ارتدت ملابسها على عجل و ارتشفت رشفات سريعة من قدح الشاى الساخن قبل أن تنزل الى الشارع و تدير محرك السيارة مستعدة للذهاب الى عملها و قامت بوضع اسطوانة لفيروز و أغمضت عينيها لمدة دقيقتين قبل أن تفتحهما مجدداً لتنظر فى ساعتها و تنطلق مسرعة لتصل فى الميعاد الى عملها كمدخلة بيانات فى احدى شركات الاتصالات الكبرى.
دلفت من الباب محيية كل الجالسين بابتسامة رقيقة من وجهها الجميل و بدأت فى ادخال البيانات على الحاسب الالى فى سرعة و دقة متذكرة فى خيالها وجهه الأسمر وملامحه الهادئة.
يا الهى ..انها تحبه كما لم تحب من قبل, انها تفكر فيه بلا توقف و تتذكر ملامحه فى كل وقت و كأنما هو واقف أمامها لا يتحرك و لا يتزعزع .
انه أجمل ما فى هذا الكون , من أجله غنت فيروز و فى عينيه كتب كل الشعراء أجمل القصائد,
انها لم تشعر فى حياتها بسعادة الا عندما رأته فابتسمت له و ابتسم لها و عندئذ وجدت قلبها يخفق بشدة و لم يتوقف عن الخفقان منذ هذة اللحظة , انها تقرأ شعراً فتجده فى كل سطر , تكتب نثراً فتراه فى كل حرف , تشاهد فيلماً فتشاهده فى كل بطل و كل ممثل, تستمع الى أغنية او الى لحن موسيقى فتراه العازف و المغنى.
انه مركز الكون و محور الحياة التى كانت تدور بلا توقف قبل أن تعرفه فاذ بها تقف – اى الحياة- عندما رأته و عرفته.
لم تتصور ابداً أنه سوف يأتى من يسلب مشاعرها بهذة الطريقة , لم تتصور ابدأً انها على هذا القدر من الرومانسية او انها تحب قراءة الشعر, هى التى عرفت نفسها منذ الصغر مهتمة بالسياسة و الأدب فجأة تتحول الى رومانسية من الدرجة الأولى تقرأ دوواوين الشعر و تستمع الى أغانى الحب و تدمع عيناها وحيدة.
ما أروع ما تعيشه من سعادة معه فى العالم الخيالى و لكن ما أتعس حياتها معه على أرض الواقع, فى الخيال هى زوجته و حبيبته الوحيدة و يعيشان معاً فى عالم بلا ضغائن و لا منغصات بأحلام بسيطة و طموح مشروع.
اما فى الحقيقة فهو زميل عمل لا أكثر و لا أقل تراه يومياً فيتبادلان الابتسام و فقط.
هو لا يتصور انها تعرفه , هو اصلاً لا يعنيه ان كانت تعرفه او لا اما هى فهى تعرف عنه كل شىء,
تقرأ عينيه و تكلمها و تعرف من نظراته  ما لا يتصور انها تعرفه.
تسرح فى خواطرها و تبكى , تبكى لأنه الحب المستحيل, الحب الذى لا يمكن أن ينتقل من العالم الخيالى الى أرض الواقع ثم تشرق من وسط الدموع ابتسامة فهى لا يهمها أن ينتقل حبها من دنياها الى الدنيا التى نحياها , سيكفيها فقط أن تحبه فى عالمها و يعيشا معاً – فى خيالها – أسعد حياة و احياناً -ان لم يكن دائماً – يكون الخيال أكثر واقعية من الواقع.
كل ما يؤلمها هو صمتها و عدم قدرتها بالبوح بهذة الأسرار الا على الورق.
دقت الساعة الرابعة و النصف فأغلقت ما تعمل به من ملفات و خرجت من الباب و ابتسمت بعذوبة الى فرد الأمن الجالس بجوار البوابة و ركبت سيارتها و غادرت و الابتسامة لم تفارق وجهها .
و خلفها جلس رجلى الأمن يقول فى سره " لا حول و لا قوة الا بالله , بقى الجمال ده كله و خرسا "


   *****************************************************************